ستُّ قَصائدَ للأُوقْيانوس


*سان-جون برس/ترجمة:رشيد وحتي *



1ــ مَكْتُوبٌ عَلَى الْبَابِ
لِي إِهَابٌ بِلَوْنِ التَّبْغِ الْأَحْمَرِ أَوِ الْبَغْلِ،
لِي قُبَّعَةٌ مِنْ نُخَاعِ الْبَيْلَسَانِ كَاسِيًا بِقُمَاشٍ أَبْيَضَ.
أَنَفَتِي تَتَجَلَّى فِي كَوْنِ ابْنَتِي بَالِغَةَ الْجَمَالِ عِنْدَمَا تَأْمُرُ النِّسْوَةَ الزِّنْجِيَّاتِ،
بَهْجَتِي، فِي أَنْ تَكْتَشِفَ ذِرَاعًا بَالِغَ الْبَيَاضِ بَيْنَ دَجَاجَاتِهَا الْبِيضِ؛
وَفِي أَنْ لَا تَخَجَلَ أَبَدًا مِنْ وَجْنَتِي الْخَشِنَةِ تَحْتَ الزَّغَبِ، عِنْدَمَا أَدْخُلُ مُتَوَحِّلًا
2
فَأَنَا قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَمُدُّ لَهَا كِرْبَاجِي، قِرْبَتِي وَقُبَّعَتِي.
وَهْيَ تَبْتَسِمُ، تُبْرِئُنِي مِنْ مُحَيَّايَ الرَّقْرَاقِ؛ وَتَأْخُذُ نَحْوَ وَجْهِهَا يَدَيَّ الْمُدَسَّمَتَيْنِ لِأَنِّي تَحَسَّسْتُ لَوْزَةَ الْكَاكَاوِ، حَبَّةَ الْقَهْوَةِ.
ثُمَّ تَأْتِينِي بِمِنْدِيلٍ ضَاجٍّ أَعْتَمِرُهُ قُبَّعَةً؛ بِفُسْتَانِي الصُّوفِ؛ بِمَاءٍ نَقِيٍّ لِغَسْلِ أَسْنَانِي وَأَنَا صَامِتٌ:
وَمَاءُ طَشْتِي هَا هُنَا؛ وَأَنَا أُصْغِي لِمَاءِ الْحَوْضِ فِي خَزَّانِ الْمَاءِ.
*
الرَّجُلُ صُلْبٌ، ابْنَتُهُ رَقِيقَةٌ. فَلْتَكُنْ مُنْتَصِبَةً دَوْمًا
عِنْدَ عَوْدَتِهِ فَوْقَ أَعْلَى دَرَجٍ مِنَ الْبَيْتِ الْأَبْيَضِ،
وَهِيَ تُبْهِي حِصَانَهُ بِاحْتِضَانِ الرُّكَبْتَيْنِ،
سَيَنْسَى الْحُمَّى الَّتِي تُمَطِّطُ إِهَابَ الْوَجْهِ مِنَ الدَّاخِلِ.
*
مَا زِلْتُ أُحِبُّ كِلَابِي، نِدَاءَ حِصَانِي الضَّامِرِ،
وَرُؤْيَةَ قِطِّي فِي طَرَفِ الْمَمْشَى الْأَيْمَنِ خَارِجًا مِنَ الْبَيْتِ صُحْبَةَ الْقِرْدَةِ..
كُلَّ الْأَشْيَاءِ الْكَافِيَةِ لِكَيْلَا أَغَارَ مِنْ أَشْرِعَةِ السُّفُنِ الشِّرَاعِيَّةِ
الَّتِي أَرَاهَا عِنْدَ ارْتِفَاعِ السَّقْفِ الصَّفِيحِ كَسَمَاءٍ.
2. بَبَّغَاءٌ
إِنَّهُ آخَرٌ.
كَانَ قَدْ وَهَبَهُ بَحَّارٌ تَأْتَاءٌ لِلْعَجُوزِ الَّتِي بَاعَتْهُ. هُوَ عَلَى صَحْنِ الدَّرَجِ قُرْبَ الْكُوَّةِ، هُنَاكَ حَيْثُ تَمْتَزِجُ بِالسَّوَادِ غَيْمَةُ النَّهَارِ الْقَذِرَةُ بِلَوْنِ الْأَزِقَّةِ.
بِصَرْخَةٍ مُزْدَوَجَةٍ، لَيْلًا، يُحَيِّيكَ، كْرْيزُوِي، عِنْدَمَا — وَأَنْتَ صَاعِدٌ مِنْ خَنَادِقِ الْبَاحَةِ — تَدْفَعُ بَابَ الْمَمَرِّ وَتَرْفَعُ قُدَّامَكَ النَّجْمَ الزَّائِلَ لِقِنْدِيلِكَ. يُشِيحُ بِوَجْهْهْ لِيُشِيحَ بِنَظْرَتِهِ. أَيُّهَا الرَّجُلُ ذُو الْقِنْدِيلِ! مَا شَأْنُكَ وَشَأْنُهُ؟ .. تَرْمَقُ الْعَيْنَ الْمُسْتَدِيرَةَ تَحْتَ اللُّقَاحِ الْمُتْلَفِ لِلْجَفْنِ؛ تَرْمَقُ الدَّائِرَةَ الثَّانِيَةَ كَخَاتَمٍ مِنْ نُسْغٍ مَيِّتٍ. فَتَنْغَمِسُ الْيَرَاعَةُ الْعَلِيلَةُ فِي مَاءِ الرَّوْثِ.
يَا لَلْمَأْسَاةِ! انْفُخِ فِي قِنْدِيلِكَ. الطَّيْرُ يُطْلِقُ صَرْخَتَهُ.
3. شَمْسِيَّةُ فَرْوِ الْعَنْزَةِ
إِنَّهاَ فيِ راَئِحَةِ الْغُباَرِ الرَّماَدِيَّةِ، فيِ مَطْموُرَةِ الْحُبوُبِ. إِنَّهاَ تَحْتَ ماَئِدَةٍ بِأَرْبَعِ أَرْجُلٍ؛ ثَمَّةَ بَيْنَ الصُّنْدوُقِ حَيْثُ يوُجَدُ رَمْلٌ مِنْ أَجْلِ الْقِطَّةِ وَالدِّنِّ الَّذيِ نُزِعَتْ عَنْهُ الْأَطْواَقُ حَيْثُ يَتَكَدَّسُ الريِّشُ.
4. اَلْقَوْسُ
أَماَمَ تَصْفيِراَتِ الْمِدْفَأَةِ، مُرْتَعِداً مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَأَنْتَ مُشْتَمِلٌ فيِ كِساَئِكَ الْفَضْفاَضِ الْمُزَرْكَشِ بِالْأَزاَهيِرِ، تَنْظُرُ إِلَى زَعاَنِفِ اللَّهَبِ اللَّطيِفَةِ. – لَكِنَّ طَقْطَقَةً تُشَقِّقُ الظِّلَّ الشاَّدِيَ: إِنَّهُ قَوْسُكَ، عِنْدَ عُقاَفَتِهِ، إِذْ يُفَرْقِعُ. وَيَنْفَتِحُ عَلىَ طوُلِ وَتَرِهِ السِّرِّيِّ، كَالْفَصِّ الْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيِ الشَّجَرَةِ الْمُقاَتِلَةِ.
5. اَلْبَذْرَةُ
فيِ أَصيِصٍ طَمَرْتَهاَ، الْبَذْرَةَ الْأُرْجُواَنَ الْعاَلِقَةَ بِكِساَئِكَ الْعَنْزِيِّ.
لَمْ تُنْبِتْ أَبَداً.
من «مَداَئِحُ» [1911]
6. أُغْنِيَةٌ
حِصَانِي مُتَوَقِّفٌ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الْمُتْرَعَةِ بِالْيَمَامَاتِ، أُصَفِّرُ صَفِيرًا فِي غَايَةِ النَّقَاءِ، بِحَيْثُ لَا تَفِي هَذِهِ الْأَنْهَارِ بِأَيِّ وَعْدٍ لِضِفَافِهَا. (الْأَوْرَاقُ الْحَيَّةُ فِي الصَّبَاحِ عَلَى صُورَةِ الظَّفَرِ)..
*
فَلْيْسَ أَبَدًا لِأَنَّ رَجُلًا لَيْسَ حَزِينًا، بَلْ مُسْتَيْقِظًا قَبْلَ طُلُوعِ النَّهَارِ وَمُنْتَصِبًا بِحَذَرٍ مُخَالِطًا شَجَرَةً عَتِيقَةً، مُسْتَنِدًا بِذَقَنِهِ لِلنَّجْمَةِ الْأَخِيرَةِ، يَرَى فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الْصَّائِمَةِ أَشْيَاءَ كَبِيرَةً نَقِيَّةً تَدُورُ مُتَلَذِّذَةً..
*
حِصَانِي مُتَوَقِّفٌ تَحْتَ الشَّجَرَةِ يُهَدْهِدُ، أُصَفِّرُ صَفِيرًا فِي غَايَةِ النَّقَاءِ.. وَسَلَامًا لِلَّذِينَ — إِنْ كَانُوا سَيَمُوتُونَ — لَمْ يَرَوْا قَطُّ هَذَا النَّهَارَ. وَلَكِنْ عَنْ أَخِي الشَّاعِرِ وَصَلَتْنَا أَخْبَارٌ. كَتَبَ مَرَّةً أُخْرَى شَيْئًا بَالِغَ الرِّقَّةِ. وَتَعَرَّفَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ..
من «أَنَابَازْ» [1924]
*شاعر ومترجم من المغرب
كلمات
العدد ٢٦٩٦

شاهد أيضاً

الرسالة الأخيرة

الرسالة الأخيرة تيد هيوز-شاعر بريطاني ترجمة: محمد عثمان الخليل- مترجم وأكاديمي سوري   ماذا حدثَ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *