يحيى الرخاوي يكتب رسالة إلى نجيب محفوظ


سامح سامي


د. يحيى الرخاوي أستاذ الطب النفسي يعتاد منذ سنوات الكتابة والقراءة في كراسات تدريب الأديب العالمي نجيب محفوظ، وهي الكراسة التي كان محفوظ يتدرب فيها على استئناف الكتابة مرة أخرى بعد عملية اغتياله التي أثرت على حركته. وهي كنز، حسب وصف د. الرخاوي. 

في قراءته الأخيرة لصفحة من الكراسة كتب د. يحيى الرخاوي رسالة إلى نجيب محفوظ، العائش حتى الآن، حسب اعتقاد وإحساس د. يحيى الرخاوي الذي كان من أقرب أصدقاء محفوظ. بدأ الرخاوي رسالته أولا في استعراض إحدى صفحات كراسة التدريبات التي كتب فيها محفوظ: «بسم الله الرحمن الرحيم.. نجيب محفوظ.. أم كلثوم نجيب محفوظ.. فاطمة نجيب محفوظ.. الحمد لله رب العالمين ــ الرحمن.. الرحيم – مالك يوم الدين – إياك نعبد وإياك نستعين ــ اهدنا الصراط المستقيم ــ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. آمين.. أيها القوم المحبون في الأرض المجدون.. فكما أنتم كنا وكما نحن تكونون.. عرفنا (+) الجزيرة حتى جاءني خبر.. فزعت منه بمآلها(+) إلى الكذب نجيب محفوظ». وكان تاريخ الصفحة يشير إلى أنها مكتوبة في 2 سبتمبر 1995 
ثم كتب د.الرخاوي رسالة إلى محفوظ، قال فيها :«لا يوجد في هذه الصفحة اليوم يا شيخنا الغالي من جديد إلا كلام في نهاية التداعيات عن الجزيرة، لعلها قناة الجزيرة وأخبارها القبيحة المغلوطة وما آلت إليه من كذب، (كل هذا بعد محاولات فك الخط بكل الجهود لتقريب بعض هذين السطرين الأخيرين). لعل هذا يعطيني الفرصة أن أعرج إلى موضوع يخص بعض أثمن ما كتبتَ، وقد شغل الناس هذه الأيام، هذا أنه قد تعددت الآراء والرؤى حول ما ظهر أخيرا من أحلام جديدة في «أحلام فترة النقاهة»، ومن بين ذلك ما حدث (9/9/2015) من تعقيبات كلٍ من: بهاء طاهر، أحمد مراد، حسن كمال، وحلمي النمنم، صبري حافظ، بالإضافة إلى ما نشر بتاريخ 30 أغسطس 2015 في جريدة الشروق، واشترك فيه: علاء الأسواني، محمد سلماوي، زكى سالم، بالإضافة إلى شخصي.
وإليك يا شيخنا الحكاية من البداية:
تفضل الأستاذ إبراهيم المعلم بدعوتى للإطلاع على أكثر من مائتي حلم تقدمت بها كريمتاك إليه، وقالتا إنهما عثرتا عليها بين أوراقك بعد أعوام، وأنهما من إملائك للحاج صبري أكرمه الله، وبعد تردد في الحكم في عجالة تفضل الأستاذ المعلم وأرسل لى كل هذه الأحلام قيد الطبع، ثم نشر بعد ذلك في صحيفة الشروق، بإشراف الأستاذ سامح سامي تحقيقا حول هذا الموضوع سجل فيه مقابلة مع الحاج صبري، وإذا بى أقرأ ما صرح لهم به الحاج صبري وكيف أنك كنت تؤلف الحلم وتحفظه وتراجعه أولا ثم تمليه بعد ذلك، وهذا هو ما طمأنني على العملية برمتها.
“ فرحت بهذا الوفاء من كريمتيك ــ حفظهما الله ــ كما شكرت الأستاذ المعلم والابن سامح سامي للاهتمام والمتابعة، وبعد الاطلاع على ما تفضلت الشروق ومنحتني شرف الاطلاع على هذه الأحلام قبل النشر، كتبت لهما ما أحب أن أطلعك عليه”
ونشر د. الرخاوي رسالته إلى المهندس إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة دار الشروق، لكى يكون عند الأستاذ نجيب محفوظ علم بها، فمحفوظ لم يرحل عن عاملنا حسب تصور د. الرخاوي، لذلك هو يكتب رسالته لمحفوظ الآن ويثق أنه سيقرأها.
قال الرخاوي فيها:
الأستاذ الفاضل الكريم إبراهيم المعلم
شكرا، واحتراما، وتحية، ودعاء، جزاكم الله عن شيخنا، ومصر، والثقافة خيرا
وبعد..
تقديرا لثقتكم الغالية، وبعد نشر التحقيق المهم عن هذا العمل المهم، وخصوصا ما جاء فيه على لسان الحاج صبري، أكرمه الله، قمت بما شرفت بتكليفي به وقرأت العمل قيد الطبع، وحمدت الله، وشكرتكم مرة أخرى على هذه الثقة، وهذه الفرصة، وإليكم شهادتي التي خلصت إليها:
1 – هذا عمل من إبداع محفوظ بلا أدنى شك، مهما بدا في ظاهر بعضه مما كان يحتاج إلى مراجعة أو تحديث أو تنقيح (منه دون غير).
2 – ما ذكره الحاج صبري عن أن الأستاذ كان يتم صياغة الحلم بداخله حتى يكمله، ثم يحفظه، ثم يمليه، هو صدق كله، وهو ما طمأنني تماما أنها أحلام (إبداع) شيخنا الجليل فعلا.
3 – ما قامت به كريمتاه الفاضلتان في الحفاظ على ما وجدتاه ولو بعد حين، ثم تسليمه لأهل الأمانة يحتاج كل تقدير واحترام وشكر، ولعله أقرب ما يكون إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي معناه: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وقد أوفتا بالعهد، لتحققا المكارم الثلاث، جزاهم الله عنه وعنا خيرا.
4 – حتى لو عثرنا على سطر واحد كتبه وتركه لنا، وللناس، وللإبداع، وللتاريخ، (ولو حتى أثناء تدريباته وتداعياته للعودة للكتابة) لوجب نشره كما هو، وعلى مريديه والنقاد والتاريخ بقية المهم.
5 – مستوى هذه الأحلام عموما غير المجموعة الأولى (وإن كنت لا أقول دون المجموعة الأولى، ففي كلٍ خير ).
6 – هناك اختلاف نوعي، لكنه ليس جسيما، بين الجزء الأول، وهذا الجزء الثانى، وكل منهما له «تناسقه الداخلي» الذي يجعله عملا مستقلا.
7 – إن الفرق النوعى بين الجزء الأول والجزء الثانى قد يرجع إلى اختلاف الأداة، فالكتابة (حتى مع الصعوبة) تختلف عن التأليف في الوعي ثم المراجعة الداخلية، ثم الحفظ، ثم الإملاء (كما وصفها الحاج صبري مشكورا)، وفي كلٍ خير.
8 – لا شك – مثل أى مبدع متقن، ومثله هو بالذات، وهو ما كرره لي – لنا– مرارا، وهو يتحدث عن حرمانه ــ نتيجة للصعوبات الصحية ــ من مراجعة «البروفات» الأخيرة وتعديل ما شاء فيها، كما اعتاد أن يفعل مثلما كان يفعل في سائر أعماله السابقة.
9 – من البديهي أن نتوقع أنه كان يمكن أن يقوم بتعديل أو تحديث أو التخلص من بعض ما جاء في هذا الأصل أثناء المراجعة، وهذا حقه بل هو من أبسط مبادئ حركية الإبداع عموما، حين يكون المبدع أحيانا هو أول من ينقد أعماله حتى قبل أن تظهر.
عبر عن ذلك هيجل في الطبعة الثانية لكتابه «موسوعة العلوم الفلسفية»، قائلا ما معناه: “اضطررتُ أن ألقي في البحر بحجارة كثيرة من حمولة السفينة، حتى تطفو وتسير “.
وكان يعني أنه تخلص من كثير مما صعب على الناس في الطبعة الأولى، أو مما رأى أنه يستحسن حذفه، حتى تصل الرسالة أوضح وأتقن!.
10 – في حالتنا هذه ــ كما في كل حالة ــ ليس من حق مخلوق آخر إلا المبدع نفسه، أن يقوم بهذه المهمة (البند السابق) وعلى ذلك فلا سبيل إلا نشر النص كما هو، ثم تأتى مراحل النقد تتكامل مع النص المبدع نقدا مبدعا أيضا، دون مساس بالنص الأساس.
11 – برغم كل هذا التوضيح ــ وبعد أن تفضلت الشروق بإتاحة هذه الفرصة لى قبل النشر العام، فإني أشهد أن ما وصلنى من هذا النص بعيدا قليلا أو كثيرا عن مستوى الإبداع الفائق لشيخنا الجليل، هو قليل جدا، وعموما فقد تراوحت مستويات الحلم في هذا الجزء الثانى آكثر من الجزء الأول، وهو الأمر الذي قد يتيح تصنيف هذا العمل ــ نقدا فيما بعد ــ إلى مستويات للأحلام تكمل بعضها بعضا (انظر الملاحظة في النهاية.
12 – إن نشر هذه الأحلام بصورتها التي وصلت إلينا حرفيا مهما كان حول بعضها من تحفظات هو «أمانة واجبة»، حتى لو كان بعضها مجرد مسودات (فالمسودات شديدة الأهمية في رصد إبداعات الأفذاذ، وهي أحيانا تفوق ما تم صقله في الصورة النهائية، وهذه هي مهمة النقاد) 
عزيزى الأستاذ إبراهيم
أكرر شكرى، وما زلت تحت أمركم،
وفقكم الله، وعليكم السلام..
خطرت لى مهمة لم يسمح الوقت المتاح لي «الآن» بإتمامها ولا حتى ببدئها، وهى مهمة قد توضح اختلاف مستويات أحلام هذه المجموعة، وأيضا تبيـن تنوع محتوياتها، وغائيتها الكامنة، وهى مهمة احتمال تصنيف محتوى هذا النص من حيث كل من: “المستوى” ثم “المحتوى”، ومن ذلك يمكن تصنيفها (في مرحلة النقد طبعا) ــ مثلا ــ إلى: “الحلم الإبداع الشعرى” (قصيدة النثر) .
والحلم اللقطة القصصية السريعة، والحلم تحقيق الرغبة، والحلم الحكمة، والحلم الرأي، والحلم الذكري، والحلم العبثي الجميل، والحلم النقد السياسي، والحلم الطفولي….إلخ… إلخ…..
شكرا مرة أخرى وعليكم السلام
“يحيى الرخاوي”
ثم أنهى د. الرخاوي رسالته إلى محفوظ بقوله :”استأذنك الآن يا شيخي الفاضل في إبلاغك أنني لم أعد مهتما أن أكون من بين النقاد الذين حمَلتـُهم مهمة قراءة هذه النصوص الجديدة، فعلى قدر علمي فإن النصوص الأولى لم يتناولها النقاد بما تستحق، أما عن شخصي فقد وجدت في نفسي عزوفا عن أن أواصل قراءتي لهذه الأحلام الجديدة مثلما فعلت بالمجموعة الأولى، وذلك بعد ما أثير حولها في كل اتجاه، اللهم إلا إذا أمرتـَنِي أنت شخصيا بغير ذلك”.
بوابة الشروق

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *