ما تعلمته من إرسال روايتي للنشر تحت اسم رجل


*كاثرين نيكولاس/ ترجمة: محمد الضبع


هذه الخطة جعلتني أشعر بأنني ماكرة ومخيفة، استغرقني الأمر وقتًا طويلًا حتى تمكنت من إرسال روايتي تحت اسم رجل اختلقته. ولكنني كنت في كل مرة أقرأ فيها إحصائية عن الانحياز اللاواعي، أقترب أكثر من تجربتها.
بدأت بتجهيز بريد إلكتروني جديد تحت اسم لنقل إنه “جورج لير”، مرت الأسابيع دون رد من دور النشر أو الوكلاء الذين قمت بإرسال روايتي إليهم. قرأت دراسة أخرى عن الاختلاف في تقييم طلبات العمل في الشركات عندما تكون مقدمة تحت اسم امرأة أو تحت اسم رجل، وكانت الأفضلية في الطلبات لتلك التي تحمل اسم رجل.

هذه الخطوة التي أفكر على الإقدام بها ضد القانون، وضد كل نصائح الكتّاب، ولكنني حينها لم أكن أشعر أنني كاتبة، كنت لم أتمكن من كتابة أي شيء لأسابيع. كنت أمر بمرحلة عصيبة. لقد كنت أقضي وقتًا طويلًا من البكاء على الهاتف، أطول من الوقت الذي ألتزم فيه بالكتابة، ولم أستطع حل هذه المشكلة. في كل مقطع كنت أخوض حربًا ومفاوضاتٍ بين حدسي وعقلي، لأصاب بالحيرة أكثر.

وهكذا، في صباح يوم السبت، نسخت رسالة البداية من روايتي المحفوظة في بريدي الإلكتروني الأصلي، لألصقها في بريد جورج. وقمت بإرسال الرواية إلى أحد وكلاء النشر الذين كنت أفكر في مراسلتهم باسمي الحقيقي. لم أتوقع أن يصلني أي رد إلا بعد عدة أسابيع. وكنت أستعد للتصفح والبحث عن وكيل آخر وقراءة شروط النشر، وعندما عدت لصفحة بريدي الإلكتروني وجدت رسالة جديدة! “حضرة السيّد لير، أرجو منك إرسال بقية الرواية، أنا سعيد ومتحمس للعمل معك.”
تواصلت مع ستة وكلاء في ذلك اليوم، وحصل جورج على خمسة ردود خلال أقل من 24 ساعة، ثلاثة طلبات لقراءة الرواية، ورفض من وكيلين بطريقة لطيفة.
 وبالمقابل تحت اسمي الحقيقي، قمت بإرسال 50 رسالة إلى 50 وكيلا مختلفا وحصلت على طلبين لقراءة الرواية فقط. هذه الردود التي وصلتني تحت اسم حضرة السيد لير جعلتني أشعر بالسعادة في البداية ثم شعرت بالغضب، ثلاثة طلبات لقراءة الرواية في يوم سبت؟ وليس حتى خلال ساعات العمل!

اكتشفت حينها أن المشكلة لم تكن في الرواية، بل كانت في كاثرين. كنت أريد أن أعرف كيف يعيش كل جورج في العالم، لذلك أرسلت المزيد. وكانت الحصيلة 50 رسالة، و17 طلبا لقراءة الرواية. جورج أفضل مني بثمان مرات ونصف في كتابة الرواية ذاتها.
الرفض جزء من حياة الكاتب. ولكن الرفض الذي واجهه جورج كان لطيفًا وحميمًا، كنت أتمنى أن أحصل على رفض لطيف كهذا. لا أحد مسؤول عن الأثر العام للتفرقة التي حدثت، ولا أظن أن أحدًا من الوكلاء كان يقصد أن يكون عنصريًا معي. خرجت من هذه التجربة بعدة نظريات:
١- ربما كان الوكلاء يتصرفون بطريقة واعية، لأنه من الأسهل عليهم أن يسوقوا الكتاب إذا كان مؤلفه يدعى جورج، ولذلك هم مهتمون بعمل جورج، وقاموا بالتصرف معه بطريقة مهذبة ولبقة.
٢- ربما كان من الغريب على رجل يدعى جورج أن يكتب رواية تتحدث من وجهة نظر أنثى، وتكون البطلة فيها أنثى، وهذا ما يجعل الكتاب يبدو مميزًا.
٣- باسمي، ربما نظروا إلى الكتاب على أنه “خيال امرأة”، وكان حكمهم متعلقًا برفض اسمي وليس رفض عملي. لأنه من المتوقع جدا لكاثرين أن تكتب خيال امرأة، وليس من المتوقع أبدًا لجورج أن يكتب المثل.
٤- ربما كان الوكلاء أكثر لطفًا دون وعي منهم مع جورج. لأنني عندما التقيت أحدهم وجهًا لوجه وناقشنا العشرين صفحة الأولى، شعر بشعور جيد، ولو كنت أرسلته له بالبريد الإلكتروني لكان قد قام برفضه.

وبعد هذه التجربة أشعر بتغيير جذري في الطريقة التي أنظر بها إلى عملي، إلى روايتي التي كتبتها وإلى روايتي الأخرى التي أكتبها الآن. توقفت عن إرسال البريد، وبدأت بالتركيز على آراء النقاد الموجهة إلى جورج لأحسن من كتابي، هذا الكتاب الذي كنت سأضعه ورائي لو لم أخض هذه التجربة. النسخة المحررة والمنقحة لدى وكيلتي الآن، بعد أن أعجبت بقطعة كتبتها باسمي الأصلي. الصبر، الإيمان، واللعب حسب القوانين، كل هذه النصائح والحكم التقليدية، لم تكن لتوصلني إلى ما أنا عليه الآن.
_____
*المصدر: مدونة “معطف فوق سرير العالم”.

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *