*رانيا يوسف
القاهرة ـ ستة مخرجين شباب من مدينة الاسكندرية شمال مصر اجتمعوا على حلم واحد، وهو إنجاز فيلم روائي طويل مشترك، في الوقت الذي يعاني فيه فنانو مدينة الاسكندرية من تهميش شركات الإنتاج الصغري لهم واهتمامها المنصب في دعم فناني العاصمة، لجأ المخرجون السته وهم، أحمد مجدي مرسي، محمد الحديدي، محمد زيدان، ميّ زايد، نرمين سالم وهند بكر إلى صناديق دعم الأفلام في المهرجانات العربية لإنجاز مشروعهم، الذي عرض للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان دبي عام 2013. ثم شارك في أكثر من مهرجان سينمائي خارج مصر، وعرض في الدورة قبل الماضية لمهرجان الأقصر للسينما الافريقية.
الفيلم لم يجد سبيلا لطرحه في دور العرض في مصر في العامين الماضيين بعد رفض الموزعين له بسبب اختلافه من حيث الشكل وطريقة الطرح عن الأفلام التجارية التي اعتاد عليها الجمهور، وأخيراً منحته سينما «زاوية» فرصة للعرض الجماهيري لمدة اسبوع واحد، وهي قاعة عرض وسط القاهرة مخصصة لعروض السينما الأوروبية والسينما البديلة، أو ما يعرف في مصر بالسينما المستقلة التي ينتجها أفراد أو كيانات إنتاجية صغيرة، والتي تقدم بفكر وأسلوب فني يختلف عن السائد.
يستعرض الفيلم في سياق متصل عبر ست روايات لا تربطها أحداث مشتركة، ثيمة الخوف التي تسيطر على فئات مختلفة من المصريين، الفيلم يجمع ستة أفلام قصيرة تتداخل أحداثها عبر المونتاج المتوازي. القصة الأولى لسيدة يموت زوجها ثم تجد نفسها في مواجهة مع الوحدة رغم وجود ابنائها ألا انها تشعر بالغربة والحنين إلى حضن الزوج، فتحاول تعويض وحدتها بمتابعة الناس في الشارع والانفصال النفسي عن أبنائها، القصة الثانية لطفلة تجردها جدتها من طفولتها تحت طائلة التدين، فنراها ترتاد معها المساجد وترتدي الحجاب في الوقت الذي تتعامل فيه الطفلة مع رغبتها في مواصلة اللعب بعفوية، حتى تخرج من كنف جدتها وتنتصر لطفولتها، في الوقت الذي نرى فيه رجلا عجوز يحاول عبور الشارع وسط ضجيج السيارات لكن الخوف والتردد يدفعانه إلى ان يقضي اليوم باكمله ينتظر على الرصيف دون ان يتجرأ على العبور، كما يرفض في الوقت نفسه مساعدة الآخرين له، وهناك أيضاً الفتاة التي تخشى من العنوسة ومن التصريح بمشاعرها لصديقها، ويدفعها التردد والغيرة من صديقاتها إلى لا شيء سوى الهرب والهرب.
ينتهي المطاف بالعروس التي تتهيأ لزفافها على رجل يبدو انها لا تعرف عنه شيئا، تنساق دون وعي لتجارب الآخرين الفاشلة في الارتباط وتطفو مشاعر القلق والتردد أيضاً على ملامحها من استكمال هذه الزيجة، لكنها لا تتمكن ً من اتخاذ قرار بالهرب، وأخيراً الخوف من المرض هذا هو الأب الذي يعاني من مرض خبيث في الرأس يصارع الموت، ولكنه يستسلم بسهولة ونراه يواصل التدخين. اجتمعت القصص الست على طرح مفهوم الخوف الغريزي عند الإنسان، الخوف من الموت، المرض، الوحدة، الفشل، ولكن غلفت كل قصة منها شخصيتها بمشاعر التردد وعدم اتخاذ القرار. انتصر الخوف في النهاية، على إرادة الإنسان التي صورها الفيلم كم هي هشة وعديمة الجدوى، حالة من السوداوية والاستسلام للأمر الواقع في مخيلة الشخصيات، حتى الطفلة التي حاولت ان تتملص من سيطرة الجدة، عاشت طفولتها فقط في مخيلتها دون أي ممارسة حقيقية، والكهل الذي وقف يوماً كاملاً ينتظر عبور الطريق استسلم في النهاية وجلس على الرصيف يشاهد المارة، والأب الذي أصابه المرض لم يبد أي رغبة في مقاومة المرض، والعروس التعيس التي خرجت إلى عالمها المجهول وهي تقدم خطوة وتؤخر أخرى لم ندر هل كانت مجبرة على هذه الزيجة؟ الشخصيات جاءت من العدم، وذهبت حيث جاءت لم تترك أثرا، أو تأثر بها.
تباين القصص وتتداخل مشاهد كل منها الذي افقد المشاهد تركيزه لبعض الوقت وأوقعنا في متاهة الربط بين الأحداث التي لم تتابع بتسلسل زمني أو مكاني. عنصر الزمان في الفيلم دمره المونتاج الذي حاول ان يوازن في عرض أحداث القصص الست دون ان يميز واحدة عن أخرى، لكنه اخفق بالتأكيد وشتت انتباه المتلقي خاصة مع تداخل الأزمنة بين الليل والنهار، وانهيار الخط الزمني وتسطيح البناء الدرامي خاصة في قصة الرجل الذي يريد عبور الطريق، الذي استمر على صورته واقفاً دون اتخاذ أي قرار أو رد فعل منذ بداية الفيلم وحتى نهايته، بالإضافة إلى بعض المشاهد التي تشرح معنى مشاهد أخرى، مثل حلم الطفلة في اللعب بعد ان أصبحت تقريباً تعيش في المسجد مع جدتها، كسر مشهد الفتاة وهي داخل أحد ألعاب الملاهي إيهام الجمهور وتعاطفه معها، استخدام الرمزية حيث مارست البنت اللعب داخل المسجد يكفي دون التصريح بما يجول في خاطرها.
والتباين بين مستوى المخرجين اتضح في كل قصة، هناك قصتان هما الأنضج على مستوى الإخراج والبناء الدرامي، لكن أكثر ما يميز الفيلم كاملاً هو إدارة الممثلين وهم أيضاً وجوه جديدة صاعدة لكنهم اثبتوا ان لديهم طاقة كبيرة وموهبة ستصل مع الممارسة إلى طور الاحتراف.
مخرجو الفيلم هم شباب ما زالوا في طور التجربة يتعلمون من أخطائهم، ولكن يكفي انهم حاولوا التحايل على صعوبات الإنتاج وخلقوا لأنفسهم فرصه لإثبات وجودهم، لذلك لا يمكن تطبيق المفهوم المتعارف عليه في تقييم التجارب الأخرى الأكثر احترافية. فيلم «أوضة الفيران» هو حالة خاصة إنتاجياً وفنياً، بل هو حلم بعض الشباب الذي تجرأ على تحقيق ما يصبو له، تجربة المخرجين الستة في إنجاز عدة أفلام قصيرة في فيلم واحد رغم بعض العيوب الفنية والتقنية التي صاحبت التصوير وضبط الكادرات وعيوب المونتاج، أثمرت عن مواهب شابة خاصة في مجال التمثيل، وأثبتت انه يجب على الإنتاج الجاد ان يخرج من مركزية العاصمة لمساندة المواهب التي يصعب عليها التواصل مع المنتجين، مدينة الاسكندرية خاصة فيها عدد كبير من الفنانين في كل المجالات وهم محرومون من الدعم الإعلامي والمادي.
_______
*القدس العربي