الإنسان والمقدّس


*حياة أبو فاضل

والمقدّس متعدد الوجه والمكان على سطح الكوكب وحوله في ما يحيط به من سماء وفضاء. ويظل الخارج في متناول الخيال فقط حيث الماورائيات التي تشغل بال الانسان وتثير هواجس تدور حول المشهد الافتراضي المرافق له لمّا يغادر الجسد والأرض ليلتحق بمساحة مساءلة وحساب متعدد المرحلة بين نار وجنة وعذاب أبدي أو ثواب مزهر في جنان تجري من تحتها أنهار لطالما اشتاقتها رمال صحارى الأرض والعربية منها بشكل خاص. هي أماكن سماوية مقدسة بحسب كل أدياننا، يقاربها الانسان ساجداً أمام مصدر يخشاه ويسترضيه، ويحارب في سبيله ويقتل ويخرّب الحياة والأوساط بينما تهيئ له السماء هدايا وجوائز ترضية.

واليوم نشهد على حروب مقدسة كهذه خرّبت العالم العربي واستباحت الحياة بكل مظاهرها وما عاد القوم يعرفون كيف يضبطونها وينضبطون. فلا الخالق تدخّل سلباً أو إيجاباً، ولا الشعوب الهاربة المبعثرة خارج الأوطان رفعت أصواتها لتقول كفى غباوة، ولا الأخوة عرباً وأبناء غرب أوقفوا تمويل الثورات الالهية ومدّها بالمناضلين، ولا كواكب المجرة التي تقرر أيضاً مصير الشعوب أبدت تعاطفا مع وعي مسالم لبعض أهل الأرض، فظلت تحرض سلباً على التصادم الأعمى. أما دور الأديان فواضح كضوء النهار. وما ليس واضحاً كيف هبطت هذي الأديان من سماء واحدة ومصدر واحد، فلمّا بلغت الأرض تفككت الى “معابر” كثيرة، على عداء، متقاتلة، لا علاقة لها لا بحب ولا برأفة ولا بوعي ولا بفهم للمقدس، فماذا فعل بها الانسان… أو ماذا فعلت به؟
وتبقى الأراضي المقدسة مقدسة الى آخر الدهر، فهي محجّة الإنسان كلما أراد الاقتراب من “مصدره” الخارجي، فرغم هروب المذاهب الدامية منذ بدء التاريخ، لمّا يحين زمن الحج الى الأراضي المقدسة، يهبّ البشر طمعاً في ثواب يفوح من تلك الأماكن بالذات، يقصدها الإنسان ومن تلك الينابيع يحمل معه ما يطمئنه في الأرض وفي الآخرة.
ومن المقدّس تلوح آخر معضلاتنا السياسية في لبنان اليوم، تضاف الى نكباتنا التي لا تنتهي بعدما تفككنا الى آذاريين، ملاعين، مذهبيين، على حقد ونكد وحسد وبغض بلا حدود. والمعضلة تبدأ مع زيارة البابا فرنسيس هذا الشهر للأماكن المقدسة في فلسطين المحتلة من اليهود الأعداء حيث سيستقبله البطريرك الراعي، الماروني، اللبناني، وفلسطين تضم أماكن مسيحية إسلامية مقدسة ترمز الى الوجود المسيحي الاسلامي بكل أبعاده، فتصرّ إسرائيل اليهودية على إعطاء هويتها الدينية للأرض المغتصبة المسروقة. فالمحتل اليهودي متخلّف كالعربي تماماً. فكرهما يصرّ على إعطاء هوية دينية للأوطان الشرعية ولكيان سليب غير شرعي. ونحن العرب، كما كل الجنس البشري، لا يخطف انتباهنا الا المقدس الخارجي، فمتى نقارب المقدس الداخلي الساكن قلوبنا فنحج الى مساحاته ونتحرر وتتحرر أوطاننا فلا يعود أحدنا فريسة الآخر؟ وحده المقدّس الداخلي يوحّد، ووحده بعيد المنال الى أن…
_______
*النهار

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *