فيلم الفتاة الدنماركية: هل يفوز الممثل إيدي رِدمين بجائزة أوسكار؟



نيكولاس باربر


لطالما انتظر الكثيرون بشغف عرض فيلم “الفتاة الدنماركية” للمخرج توم هوبر، والذي يتناول ما يُعتقد أنه أول حالة موثقة لإجراء جراحة لتغيير الجنس. لكن هل يستحق ذلك العمل المشاهدة حقا؟ الناقد السينمائي نيكولاس باربر يدلي برأيه في هذا الأمر.

في الدقائق الأولى من فيلم “الفتاة الدنماركية”، وهو عمل درامي جديد ذي طابع مخملي للمخرج توم هوبر (مخرج فيلميّ “خطاب الملك” و”البؤساء”)، نرى سيدة تحدق في زوجها المستلقي وتسأله بصوت مبحوح قائلة “متى أصبحت بالغ الحسن على هذا النحو؟”.
وهو سؤال ربما يغري شخصا ما بأن يرد عليه متعجبا بالقول: “أنظر من يتحدث؟!”. فالأمر لا يقتصر هنا على كون السيدة، التي تجسد شخصيتها الممثلة أليشيا فيكاندر، بارعة الحسن والجمال على نحو فائق فقط، ولكنه يرتبط بشكل أكبر بما يتسم به كل ما في هذا الفيلم، من شخصيات وأشياء، من جاذبية مماثلة.
فالموسيقى التي وضعها ألكسندر ديسبلاه تصدح بسلاسة وبذوق راقٍ. كما أن المشاهد التي تظهر فيها معالم المدينة وكذلك الشقق السكنية التي تحفل بمظاهر الفن الحديث، كلها مرسومة بدقة دون خطأ واحد.
فضلا عن ذلك، يرتدي الممثلون جميعا أزياء حيكت خصيصا لهم بشكل متقن ومنسق ومتناسب مع شخصياتهم، إلى حد أنك تكاد تسمع الفريق المسؤول عن إعداد الأزياء في الفيلم وهو يتنفس الصعداء في رضا عن عمله. بجانب كل هذا، تبدو كل عبارة من عبارات الحوار أنيقة ومصقولة، على نحو يضاهي ذاك الطابع الأنيق الذي يميز تماثيل جوائز الأوسكار، التي يبدو أن هذا العمل قد أُعِدَ لنيلها.
للإنصاف؛ ربما يكون هناك سبب وجيه لحرص صنّاع الفيلم على أن يخرج مُكتسياً بكل هذا الجمال الخالي من كل شائبة. ففيلم “الفتاة الدنماركية” يروي قصة إحدى أوائل الجراحات التي شهدها العالم لتحويل الجنس من رجل إلى امرأة، كما أن أحداثه تدور في الفترة ما بين أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي.
وهو ما يعني أنها تسبق بفترة طويلة ظهور شخصية مثل كيتلين جينير؛ تلك السيدة التي كانت سابقا بطلا رياضيا حصل على ميدالية أوليمبية لبلاده؛ الولايات المتحدة، في سبعينيات القرن الماضي، قبل التحول إلى امرأة عبر عملية تجميل لتغيير الجنس، وهي السيدة التي تُوصف بأنها أشهر شخصية تتحدث بشفافية عن تجربتها في هذا الشأن. ولذا فربما شعر هوبر بأنه يتعين على فيلمه أن يتسم بالاحتشام والتأنق لئلا يُنَفّر المشاهدين عصبييّ المزاج.
في بداية العمل، نلتقي بشخصيتين؛ الزوج إينار فيغنِر (الذي يلعب دوره الممثل إيدي رِدمين) وهو رسام ناجح يعيش في كوبنهاغن، وزوجته غِردا (التي تجسد شخصيتها أليشيا فيكاندر)، وهي فنانة متخصصة في رسم الوجوه، لكنها لا تحظى بذات القدر من النجاح الذي يحرزه زوجها.
وبقدر خيبة الأمل التي تنتاب هذه السيدة جراء فشلها في العثور على من يوافق على التكفل بمصروفات تنظيم معرض لأعمالها؛ بقدر السعادة والحب التي تفعم حياتها الزوجية، إلى حد يجعلها وزوجها يقفزان في أحضان بعضهما البعض على نحو محموم، كلما وجدا فراشا أو أريكة على مقربة.
في واقع الأمر، يضطلع (إينار) بدور داعم للغاية لـ (غِردا)، إلى حد أنه – حينما تتأخر راقصة باليه (تجسد دورها الصغير الممثلة المعروفة أمبر هيرد) عن جلسة رسم مخصصة لها – يتطوع لمساعدة زوجته عبر ارتداء خفيّ الراقصة وجواربها، والجلوس في وضع الرسم بدلا منها.
وبحسب أحداث العمل، يستمتع إينار بتلك التجربة تماما. وبعد وقت قصير منها، تقترح غِردا بأن يحضر حفلة راقصة يشهدها فنانون آخرون، وهو يرتدي ثياب امرأة لا رجل، مُتظاهراً بأنه ليس سوى ابنة عم لها تُدعى “لي لي”.
هنا يشعر إينار من جديد بسعادة غامرة لخوضه تلك التجربة، خاصة وقد اجتذب أنظار شاب أنيق يتسم بالفروسية من بين حاضري الحفل يُدعى هنريك (يجسد دوره الممثل بِن ويشو). في بادئ الأمر؛ يسخر إينار وغِردا من لعبة التظاهر التي أدياها. ولكن في نهاية المطاف، يبدو الرجل على استعداد للإقرار بأنه لا يريد فقط أن يبدو كامرأة، ولكنه يرغب فعليا وبدنيا في أن يصبح كذلك.
مفرط في الأناقة والروعة؟
يحدث هذا الإدراك والفهم التدريجيان بوتيرة سلسة ورشيقة، إلى حد أنه يصعب على المرء تحديد تلك اللحظة التي يتوقف فيها هذا الرسام صاحب الابتسامة الحزينة عن الحديث عن (لي لي) بوصفها شخصا آخر سواه، والاستعاضة عن ذلك بالبدء في التحدث عن إينار من هذا المنظور.
ورغم الرشاقة البالغة التي تتوالى بها أحداث الفيلم على هذا الصعيد، فإنها تفتقر إلى ذلك الطابع الخشن والفوضوي، الذي تتسم به الأحداث في الحياة الواقعية. فاللجوء إلى إجراء جراحة لتغيير الجنس يُقدم باعتباره أمرا محتوما أكثر من كونه عاقبة مرهوبة الجانب لصراع داخلي مؤلم.
وبحسب العمل؛ لا يبدو أن الشخصيات قد أصابها الفزع إزاء الجراحة التي سيُقدم إينار على الخضوع لها. كما لم تتخذ أيٍ من هذه الشخصيات موقفا مسيئا أو متعسفا أو عدوانيا للغاية حيال ذلك.
ومع أن العمل تتضمن تتابعا هزليا لمشاهد يظهر فيه أطباء مكفهرو الوجوه، يرون أن إينار ليس إلا مريضاً بانفصام في الشخصية يحتاج للعلاج، فلم يظهر السيناريو – الذي أعدته لوسيندا كوكسون – وجود أي صديق أو قريب أو زميل لـ”إينار” وهو يطرح حججا رافضة لإجراء هذه الجراحة، التي قد تودي بحياة الرجل الراغب في التحول لامرأة.
ولكن تبقى حقيقة أن غِردا نفسها لم تعترض على إجراء عملية تحويل الجنس هذه؛ أكثر عناصر الفيلم تأثيرا في النفس وإثارة للدهشة كذلك (وذلك ما لم تكن قد شاهدت الإعلان الترويجي القصير للعمل، والذي يبدد الغموض في هذا الشأن تماما).
فـ”غِردا” – بحسب ما تظهر في العمل – تبدو وفية للغاية لزوجها، على نحو يُذّكِر بطبيعة علاقة الزواج التي كان رِدمين طرفاً فيها في فيلمه “نظرية كل شيء”؛ الذي يروي قصة حياة عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ، وهو أخر عمل سينمائي شارك فيه هذا الممثل وحصل على جوائز.
من جهة أخرى، يتسم أداء فيكاندر في الفيلم بطابع ساحر وجذاب. فكلما بدا العمل على أن أوشك أن يصبح مثاليا أكثر مما ينبغي، وهو ما يحدث في غالبية فتراته؛ تُجري هي تحويرا ما على طريقة أدائها لعبارات الحوار الخاصة بها في السيناريو؛ بضحكة ما أو بتحويل عينيها على نحو هزلي، أو ربما بهزة من رأسها.
وبالإضافة إلى إضفاء فيكاندر هذا القدر من الحيوية المرحب بها على ذاك العمل الميلودرامي ذي الطابع المحكم البراق، فإن أداءها جاء كذلك مؤثرا ومثيرا للمشاعر. وهكذا ندرك أن هذا الطابع الهزلي العابث قليلا الذي اتسمت به شخصية غِردا، شَكَّل وسيلتها للتعايش مع حقيقة تلاشي زوجها تدريجيا.
رغم ذلك، تعطي أحداث العمل المشاهد شعورا بأن شخصية الزوجة هي الشخصية الوحيدة التي سُمح لها بأن تكون ذات أبعاد بشرية معقدة في فيلم فضّل صناعه التركيز على تقديم شخصيات أشبه بالرموز البراقة اللامعة، وسعى إلى أن يحفل حواره بالعبارات الطنانة.
وينتهي فيلم “الفتاة الدنماركية” على نحو يبدد أي أثر للإبهام حول فحواه. ففي مستهل مشاهد النهاية تلك، نجد أنفسنا إزاء “لي لي” – إينار سابقا- وهي تعلن قائلة :” أنا.. بكل معنى الكلمة.. أنا”، قبل أن يلجأ هوبر لاستخدام وشاح حريري عميق في رمزيته.
وبعد ذلك، وتحسبا لأن يكون هناك من بين المشاهدين في دور السينما من لم يتيقن تماما من فحوى الرسالة التي يريد الفيلم إيصالها؛ وُضعت عبارة ختامية – جرى انتقاء كلماتها بعناية ومشقة – تقول: ” يمكن النظر إلى القصة الرائدة لـ ‘لي لي’ على أنها تمهيدٌ للطريق أمام (ظهور) الحركة الحديثة الخاصة بالمتحولين جنسيا”.
بطبيعة الحال؛ يمكن أن يكون ذلك صحيحا. ولكن ربما كان من الأجدر أن يُنظر إلى قصة “لي لي” باعتبارها قصتها هي؛ وليست رمزا لأي شيء آخر. فهذه السيدة – الرجل سابقا – تستحق أن تُصوّر باعتبارها شخصا حقيقيا من لحم ودم، أكثر من كونها مجرد مثال لامع براق لقضية ما من القضايا.
بي بي سي

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *