«أماكن مظلمة»… ومشوّقة


بانة بيضون


في «أماكن مظلمة» للمخرج الفرنسي جيل باكيه ــ برينيه، تؤدي شارليز ثيرون دور ليبي التي تضطر، بعد سنوات، إلى مواجهة ذكريات طفولتها المؤلمة وإستعادة أحداث الليلة الغامضة التي أدت إلى مقتل أفراد عائلتها. قصة الفيلم الدرامي التشويقي مقتبسة عن رواية بالعنوان نفسه للكاتبة الأميركية جيليان فلين، وتدور أحداثه بين زمنين متوازيين؛ الماضي والحاضر. تلتقي ليبي مجموعة من التحريين الهواة المقتنعين ببراءة أخيها المسجون منذ ما يزيد على العشرين سنة بتهمة قتل أمه واخواته، التهمة التي كان لشهادة أخته الصغرى ليبي الناجية وحدها من المجزرة، الدور الأكبر في تأكيدها. و بالرغم من إقتناعها الكلي في البداية بأن أخاها هو المذنب، تقبل إعادة فتح التحقيق في الحادثة لقاء مبلغ من المال. بعد مقابلة أخيها في السجن، يتسلل الشك إلى ذهن ليبي، وفي استعادتها لأحداث تلك الليلة تعثر على الكثير من الثغر التي لا تنجح ذاكرتها في ملء فراغاتها.

هنا تكمن لعبة التشويق الأساسية في الفيلم، التي ينجح فيها المخرج ببراعة برسم ذلك الخط الملتبس بين الإيحاء الذي قد يوحي به المشهد والحقيقة. هكذا تقترح الصورة دائماً العديد من التأويلات التي قد يبدو الخاطئ منها حقيقياً في بعض الأحيان.
في مشاهد الماضي التي يستعيدها الفيلم، والتي تتناول يوميات حياة ليبي وعائلتها قبل حدوث الجريمة عبر مقتطعات مختارة بعناية، يؤسس المخرج لذلك الإلتباس القائم حول صورة شقيقي ليبي المراهق بين (الممثل تاي شريدان). يتحوّل هذا الأخير إلى شخصية روائية بنظر الجميع، حيث يؤوّل كل منهم طبعه الصامت وميوله الإنعزالية على طريقته الخاصة، ويخترعون عنه حياة مشوقة من وحي مخيلتهم. ففي نظر البعض هو ينتمي إلى عبدة الشيطان، فيما يراه البعض الآخر متحرشا بالفتيات الصغيرات. كل ذلك يأتي بسبب الحقبة التي تدور فيها أحداث الفيلم، والتي شهدت هوساً متنامياً من قبل الشباب بموسيقى heavy metal في أميركا. وهذا ما شجع البعض على الإعتقادات حول الجريمة، حيث بدا بين المرشح الأفضل لها، وبدت صورته الأكثر تطابقاً مع صورة المجرم من بين بقية الشخصيات، حتى بالنسبة الى مخيلة الطفلة ليبي التي، بقليل من الإيحاء من المحققين، اقتنعت بذلك. وهي صورة لم يسعَ بين إلى نفيها لأن الصورة كانت تقابل مخيلته عن نفسه، فعندما تسأله ليبي عن السبب الذي منعه من الدفاع عن نفسه يقول لها «كنت شاباً وهذه الصورة منحتني الإحساس بالقوة الذي كنت أفتقده». وبالرغم من سوريالته الطريفة، يبدو هذا الدافع أكثر صدقية من الدوافع الحقيقية لصمته، التي يعرضها الفيلم لاحقاً والتي تتمثل بمحاولته التستر على شخص آخر كان معه في تلك الليلة. هذه القصة أشبه في تركيبتها بالبناء السينمائي، وخصوصاً السيناريوهات المختلفة التي يقترحها الفيلم عن حادثة القتل والتي تتفوّق بأهميتها على السيناريو الحقيقي كما نكتشفه في النهاية، حيث يتحول فجأة من التشويق الذكي إلى فيلم رعب مضحك. أما في السرد السينمائي، فإن الفيلم يتواتر بين زمنين مختلفين؛ الماضي والحاضر، فيما تعكس اللغة السينمائية حالة من الترقب والشك الذي يساور الشخصيات، وتحاكي التشويق من دون ابتذال عبر الإيقاع الذي يتصاعد تدريجياً ببطء ليصل إلى لحظة الإنفجار. تقترح الحوارات والصورة المقتضبتان أيضاً اللا محكي أو ما ترفض الشخصيات قوله حتى لأنفسها.
أما شارليز ثيرون، فتنجح في تقمص شخصية ليبي وإبراز التناقض بين قوتها الظاهرية والطفلة الخائفة والوحيدة التي لا تزال تسكنها، لكن الأداء الأكثر براعة هو للممثلة كريستينا هاندريكس التي تؤدي دور أم ليبي.
الأخبار اللبنانية

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *