ُيعتبر مسجد النبي دانيال من أقدم المساجد التي شُيّدت في مدينة الإسكندرية؛ حيث كانت المدينة عبارة عن صحراء من الرمال يتخللها مزارع خضراء كثيفة وبحيرات شاسعة الاتساع، ولا تحتوي سوى على حيين فقط وهما رأس التين والجمرك. وينسب هذا المسجد إلى أحد العارفين بالله، وهو الشيخ محمد دانيال الموصلي، أحد شيوخ المذهب الشافعي، الذي قدم إلى الإسكندرية في نهاية القرن الثامن الهجري، واتخذ من مدينة الإسكندرية مكاناً لتدريس أصول الدين وعلم الفرائض على نهج الشافعية.
وظل الشيخ محمد دانيال الموصلي في مدينة الإسكندرية حتى وفاته في عام 810 هـ، فدفن في المسجد الذي شُيّد في عام 1790 ونُسب إليه بعذ ذلك، وأصبح ضريحه مزاراً للناس.
ويقع مسجد النبي دانيال في الشارع الذي عُرف باسمه أيضاً، وكان في ذلك الوقت مسجداً صغيراً إلى أن جاء محمد علي باشا في عام 1238هـ وقام بتجديده، ويوجد به مدفن خاص بالعائلة الخديوية، دُفن فيه محمد سعيد باشا ونجله طوسون باشا وغيرهما.
ويتكوّن تخطيط الجامع من مساحة مستطيلة يتقدّمها صحن مكشوف، يحيط به صف من البوائك المغطاة بسقف خشبي، وآخر يختلف عنه في التصميم والزخرفة. ويوجد بالناحية الشمالية الغربية منه الميضأة، التي بُنيت أرضيتها وحوائطها من الرخام الأبيض.
وللجامع واجهة رئيسية واحدة وهي الواجهة الجنوبية الغربية، يقع بها المدخل الرئيسي للجامع الذي يصعد إليه بمجموعة كبيرة من الدرجات، حيث يؤدي هذا المدخل إلى بيت الصلاة، وينقسم إلى قسمين، القسم الأول هو مصلى للرجال، والقسم الثاني فخصّص لصلاة النساء، وتحتوي جدرانه على آثار إسلامية قديمة، لذا يُعدّ المسجد مزاراً للعديد من السائحين.
كما يتكوّن بيت الصلاة أو المصلى إلى مساحة مستطيلة، مقسمة إلى ثمانية أروقة من خلال سبعة أعمدة رخامية تحمل عقوداً نصف دائرية. ويوجد بالناحية الجنوبية الشرقية حنية المحراب، ويفتح بالجدار الشمالي الشرقي فتحة باب مستطيلة تؤدي إلى الضريح، وهو عبارة عن مساحة مستطيلة، يتوسّط أرضيتها فتحة مثمنة يحيط بها حاجز من الخشب الخرط، يرتكز على رقبة مثمنة مكوّنة من ثلاثة صفوف من المقرنصات، ويتم الهبوط بعمق أكثر من خمسة أمتار إلى الضريح، الذي يتكوّن من مساحة مربعة تقوم على أربعة دعائم متعامدة، كانت تؤدي من الناحية الجنوبية الغربية إلى سرداب مغلق حالياً.
وتتوسّط أرضية الضريح تركيبتان من الخشب، أحدهما تحتوي على قبر الشيخ محمد دانيال الموصلي، والأخرى تضمّ قبراً يُعرف باسم لقمان الحكيم. وقد تجاهلت المؤلفات التاريخية هذا القبر فلم تتناوله من حيث الشكل والطراز المعماري. أما المصلى الخاص بالسيدات فيقع بالناحية الشمالية الغربية لمسجد النبي دانيال، وهو عبارة عن مساحة مستطيلة يوجد بها حاجز من الخشب الخرط يفصل بين مصلى الرجال والنساء.
وللمسجد قبة ضخمة تقوم على 4 مقرنصات ومزودة بعدة فتحات للإضاءة والتهوية مغطاة بالزجاج الملون المعشق، يؤدي إليها بعض العقود المصبة. كما يوجد منور يعلو القبر أو الضريح، محلى بمقرنصات متعدّدة الحطات تعود إلى القرن السابع عشر الميلادي.
وأُغلق المسجد بعد أن حدثت شروخ وتصدعات للمبنى الملاصق له، وذلك بقرار من مديرية الأوقاف بالإسكندرية، خوفاً على أرواح المصلين والزائرين للمسجد والضريح. وتمّ إخلاء العقار من السكان وأصحاب المحال التجارية، لحين هدمه بعد قرار اللجنة الهندسية التي تمّ تشكيلها، للكشف على حالة العقار وإعداد تقرير بذلك. حيث يقع العقار والمسجد بشارع مليء بالمارة في وسط مدينة الإسكندرية، فهو يصل بين ميدان محطة مصر، وهذه محطة القطار التي تُعدّ مقصداً للمصريين من جميع المحافظات، ومنطقة محطة الرمل القديمة التي اشتهرت بها الإسكندرية.
ويقول د. محمد مصطفى، الخبير الأثري: إن مسجد النبي دانيال يُعدّ من أقدم المواقع السياحية والأثرية بالإسكندرية، وتمّ وضعه على الخريطة السياحية الدينية لأنه يُعتبر مرحلة تاريخية هامة في تاريخ مدينة الإسكندرية.
ويؤكد أن مسجد النبي دانيال هو المسجد القديم الخاص بالضريح، الذي يعلوه قبة ضخمة تُعبّر عن رقي الطراز المعماري في ذلك الوقت. ومدخل هذا الضريح يكون عن طريق مدخل المسجد الذي تمّ بناؤه حديثاً فوق الضريح، وتُقام فيه كل الصلوات والشعائر الدينية، حيث إن مستوى الضريح كان منخفضاً عن مستوى مدينة الإسكندرية، فهُدم المسجد وأُعيد بناؤه مساوياً لمستوى الأرض، من خلال بناء أعمدة رفعت من مستوى أرضية الضريح، وللمحافظة عليه كمزار سياحي، لا سيما وأنه يوجد بجواره صهريج مياه أثري يعود للعصر البيزنطي لمدينة الإسكندريةالقديمة.
وكالة الصحافة العربية