علي وجيه
منذ باكورته المثيرة للجدل The Last House on the Left(1972) غيّر المخرج الأميركي سينما الرعب إلى الأبد. خلق أعرق القتلة، وبقي العنف السادي ضدّ المراهقات سمة تطبع معظم أفلامه؛ أبرزها سلسلة Scream التي توّجت الاكتساح الجماهيري لهذا النوع من الأعمال. ورم في المخ، لا يمكن أن يكون إلا كابوساً آخر، أنهى أخيراً حياة الفتى الذي كان يتأمّل الحياة من خلف النافذة.
ورم في المخ أنهى حياة ويس كرافن (1939 – 2015). السينمائي الأميركي الذي غيّر سينما الرعب إلى الأبد، منذ باكورته المثيرة للجدلThe Last House on the Left (1972) والشهير The Hills Have Eyes (1977)، وصولاً إلى الأيقونتين A Nightmare on Elm Street (1984) وسلسلة Scream بأجزائها الأربعة. لم تكن مشاهدة الأفلام أمراً مسموحاً في الصبا. أثر النشأة في عائلة دينية متشدّدة تسرّب إلى أفلامه الأولى. أب نزق، عنيف الطباع. أمّ لا تعرف سوى التصلّب الديني. فتى مسكون بعوالم داخليّة، يتأمّل الحياة من خلف النافذة. شيطنة أشهى ما في الحياة (النساء والسينما) حرمته الاقتراب من المتعتين حتى سنوات المدرسة المتأخرة. قبل دخول الكليّة، انكبّ على مشاهدة هيتشكوك وبيرغمان وفيليني وبقية الكبار. الانبهار بالسينما لم يمنعه من دراسة الأدب الإنكليزي وعلم النفس، قبل أن يتوجّه إلى الفلسفة والكتابة.
أثناء عمله في التدريس، امتلك كرافن كاميرا صغيرة. الشاب يريد العمل في السينما، حتى لو لم يعلم الكثير عن تقنياتها. هكذا، استجاب بشغف لمبادرة طلابه من أجل إنجاز فيلم. صنع معهم 45 دقيقة باروديا عن Mission Impossible (السلسلة التلفزيونية التي ابتكرها بروس غيلر بين عامي 1966 – 1973، وكانت إلهاماً لسلسلة الأفلام الشهيرة). شريط الهواة حقق نجاحاً محلياً، وجمع بعض المال، ما شجّع كرافن على المضيّ قدماً. سريعاً، ترك التدريس الذي لم يعد يستهويه، وتعلّم التوليف على يد هاري شابين. أثناء البحث عن موطئ قدم في المهنة، اضطرّ إلى قيادة سيارة أجرة لثلاثة أشهر في نيويورك. أخيراً، تمكّن من العمل في الـ«بوست برودكشن» وأفلام البورنو، مستتراً بأسماء مستعارة. منذ توقيعه الأول على The Last House on the Left، نجح كرافن في لفت الأنظار. العنف الصادم ضدّ مراهقتين في شريط الرعب أثار استياءً نقدياً في البداية، إلا أنّ أرباح شبّاك التذاكر أسالت لعاب ستوديوات الإنتاج. عموماً، بقي العنف السادي ضدّ المراهقات، والنساء إجمالاً، شركاً نقدياً لاحق كرافن طوال مسيرته. الأدهى أنّه بعد كلّ كلاسيكيّة لـ«مايسترو الرعب»، كانت تنشأ جماعة دينية أو أخوية أو معتقد هنا وهناك. متأثّراً بـ Psycho هيتشكوك (عام 1960) وHalloween كاربنتر (عام 1978)، أنجز ويس أيقونته الراسخةA Nightmare on Elm Street. قدّم للعالم كاراكتير «فريدي كروغر» (لعبه روبرت إنغلند لأوّل مرّة)، الذي صار من أعرق القتلة في تاريخ الرعب (يجهز على ضحاياه خلال نومهم). ليس سرّاً أنّه جلبه من سنوات التأمّل في الطفولة، عندما خاف كرافن الصبيّ من رجل كان يراقبه عبر الشارع. السكن في كليفلاند قرب مقبرة مخيفة، مصدر وحي آخر من الماضي. الشريط كان فاتحة خير لممثّل مغمور يُدعَى جوني ديب. اكتشاف الأسماء إحدى هوايات كرافن، إضافةً إلى مراقبة الطيور والاستمتاع بالطبيعة.
منح شارون ستون أولى بطولاتها في Deadly Blessing (1981)، وبروس ويليس أوّل أدواره الكبيرة في إحدى حلقات نسخة الثمانينيات من مسلسل The Twilight Zone (1985 – 1989). مساعدته لكثير من الشباب الجدد لا تُنسَى أيضاً.
في الفيلم/ الظاهرة، أطلق كرافن جنر dream reality «الحلم الحقيقة»، الذي وسم سينما الرعب في الثمانينيات، وساهم في تأسيس ستوديوNew Line Cinema للأفلام المستقلّة. العلامة المسجّلة الشهيرة التي عرفت أيضاً بـ«البيت الذي بناه فريدي». كذلك، صار لكرافن اليد الطولى في تأسيس جنر ثابث عُرِف بـ Slasher Film. هنا، يحبّ القاتل، المميّز الشكل، الانقضاض على سلسلة منتقاة من الأشخاص، مستعيناً بأداة حادّة كسكّين أو ساطور. الضحايا من المراهقين غالباً، ويُفضّل أن يكونوا من النساء. سلسلة Scream توّجت الاكتساح الجماهيري لهذا النوع. بات Ghostface «قناع الشبح» معادلاً بصرياً للقشعريرة على مستوى الكوكب. رعب التسعينيات لم يعرف صانعاً أكثر شهرةً من ويس كرافن. تأثيره ملموس على سلاسل لاحقة مثل I Know What You Did Last Summer، والباروديا Scary Movie، وعلى أسماء معروفة من قبيل الماليزي جايمس وان (صاحب Saw) والألماني ماركوس نيسبل والأميركيين تاي ويست وإيلي روث. الرجل لم يشارك سوى في كتابة الجزء الثالث من A Nightmare on Elm Street عبر أجزاء خمسة، قبل أن يقترح عنواناً أكثر توهجاً هو New Nightmare. هنا، فكّك كرافن الجنر نفسه، وحوّله إلى انعكاس ذاتي لرؤياه. أيضاً، حقق ويس أنواعاً أخرى مثل «الرعب النفسي» في Red Eye (2005) والتشويق في My Soul to Take (2010).
في التنويعات، قدّم كرافن Music of the Heart (1999). دراما بين جداري رعب هما Scream 2 وScream 3، منحت ميريل ستريب ترشيحاً معتاداً لـ «أوسكار» أفضل ممثّلة. هذا دليل على تمكّن السينمائي من إدارة الممثّل في عوالم لم يألفها كثيراً. أيضاً، جرّب الرومانس كوميدي في الشريط الأنطولوجي الشهير Paris, je t›aime (2006)، إلى جانب 21 من أشهر سينمائيي الكوكب. إضافةً إلى نشاطه الإنتاجي في إعادة بعض أفلامه القديمة (The Hills Have Eyes، The Last House on the Left)، نشر كرافن رواية بعنوانThe Fountain Society.
أغمض ويس كرافن عينيه رغم انشغالاته الكثيرة. مع توقيعه عقداً شاملاً مع Universal Cable Productions، بقيت في جعبته مشاريع تلفزيونية عدة. The People Under the Stairs مع شبكة Syfy ،Disciples معUCP، We Are All Completely Fine مع Syfy وUCP، وSleepers مع Federation Entertainment، إضافةً إلى إنتاج مسلسل جديد من Scream لصالح شبكة MTV الأميركية، وعناوين أخرى.
لا يمكن وصف كل أفلام ويس كرافن بالرفعة السينمائية، إلا أنّه كان محرّكاً اقتصادياً للصناعة، ومجدّداً في بعض أنواعها. قال في لقاء مع المخرج والكاتب ميك غاريس: «أعرف أنّني منحتُ جمهوري شيئاً. أرى ذلك في عيونهم، وهم يشكرونني بكثرة. أنت تدرك أنّك تصنع شيئاً يعني الناس، لذلك اخرس وعد إلى العمل».
الأخبار اللبنانية