*عبد الإله الصالحي
تصاعد الخلاف بين الكاتب الفرنسي المثير للجدل ميشال ويلبيك وصحيفة “لوموند”، بعد نشر الأخيرة سلسلة تحقيقات خلال هذا الصيف، تناولت فيها الصحافية المتخصّصة في الثقافة، آريان شومان، جوانب عدة من مسيرة ويلبيك في الكتابة والحياة. هدّد الأخير الصحيفة باللجوء إلى القضاء، مُعتبراً بأنّها تناولت جوانب من حياته الخاصة وعاداته اليومية، يمكن أن يشكّل نشرها خطراً على حياته، وهو الذي يخضع لحراسة بوليسية لصيقة ويومية منذ صدور روايته “استسلام” العام الماضي، والتي تخيّل فيها فرنسا محكومة من رئيس مسلم عام 2022 يفرض الشريعة الإسلامية على الفرنسيين. في هذا العمل، يواصل المؤلّف على نهج رواية أخرى له بعنوان “منصة”، صدرت عام 2001 وفتحت له باب الشهرة، إذ تزامنت مع اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر.
كان ويلبيك قد رفض، بشكل قاطع، التعاون مع الصحافية المذكورة لإنجاز هذه الحلقات، مفضّلاً التعامل مع صحيفة “لوفيغارو” اليمينية المحافظة التي “أهداها” حواراً مطوّلاً نشرته على حلقات في شهر آب/ أغسطس الجاري، رغم أنه سبق وأن نعتها، قبل سنوات، بـ”مكب نفايات”. وقبل فترة قريبة، نشرت “لوموند” مقالاً ساخراً لآريان شومان، روت فيه قصتها مع ويلبيك الذي رفض التعامل معها وبعث لها برسالة إلكترونية في 26 حزيران/ يونيو الماضي كتب فيها: “أرفض أن أتحدث معكِ وأطلب من معارفي وأصدقائي أن يتبنوا الموقف نفسه”. بعث الكاتب نسخاً من الرسالة إلى العديد من أصدقائه الكُتّاب، منهم برنار هنري ليفي، والفيسلوف ميشال أونفري والروائي فريديريك بيغبيدي. هكذا، تناولت صحافية “لوموند” سيرة الكاتب الفرنسي في ست حلقات خصّصت إحداها لوقائع محاكمته بتهمة الإساءة للإسلام والمسلمين، إثر تصريحات نشرتها مجلة “لير” عام 2001، قال فيها: “الإسلام ديانة غبية وخطرة”. خصّصت حلقة أخرى لعلاقته بالكاتب برنار ماريس الذي طالما دافع عن ويلبيك على صفحات مجلة “شارلي إيبدو” الساخرة، قبل أن يلقى حتفه في الهجوم الذي استهدف الجريدة في كانون الثاني/ يناير الماضي. في حلقةٍ أخرى، بيّنت شومان السلطة القوية التي صار يتمتّع بها ويلبيك في المشهد الأدبي الفرنسي؛ حيث “أصبحت رغباته تتحوّل إلى أوامر”، وكيف أنه كان يقمع كل الصحافيين الذين يحاولون النبش في حياته الخاصة، مستندةً في تحقيقاتها إلى عشرات الشهادات من معارفه.
لقيت السلسلة اهتماماً، رغم انتقادات ويلبيك الذي يستشيط غضباً كلما تعلّق الأمر بتحقيق صحافي حوله. في هذا السياق، كشفت الصحافية أن ويلبيك قطع علاقاته بكل الكُتّاب والمثقّفين الذين تحدّثوا إلى الإعلامي مارين سيل، الذي نشر، عام 2005، كتاباً عن سيرته، كشف فيه أن والدة ويلبيك ما تزال على قيد الحياة، على عكس ما كان يدّعي الكاتب الذي طالما كرّر في حواراته بأنها توفّيت. سارعت “لوموند” إلى الرد على ويلبيك، معتبرةً أن تهجّمه على الصحافية أريان شومان لا يستند إلى أي منطق أخلاقي، وإن كان من حقه رفض التحدّث إلى الصحافة، مُعتبرةً أن سلسلة التحقيقات التي نشرتها كانت مبنية على وقائع حقيقية، واستندت إلى شهادات موثقة، كما أنها لم تفش أي سر شخصي، بل تعاملت مع الكاتب كشخصية عامة. وبرأي الصحيفة، فإن إضاءة بعض الجوانب من حياته وسلوكه ضروريّة لفهم كتاباته، وفهم الواقع الفرنسي الراهن الذي منحه “الشهرة والنجومية”. كما أدانت لجوء الكاتب إلى ما أسمته “نظرية المؤامرة”، وتصوير نفسه كضحية، هو الذي “تفتح له كل وسائل الإعلام المجال ليتحدث كما يريد”.
________
*العربي الجديد