*زكي الصدير
الروائية السعودية زهراء الغانم تعدّ من أبرز الأصوات السعودية في عالم السرد، يقول عن اشتغالها الأديب ياسين رفاعية “تتجسد رواية زهراء الغانم بخمسة أبعاد لا أربعة، فآخر نظرية في النقد تتحدث عن العمق الخلفي للعمل الروائي، أي ما تحدث من أثر في أعماق القارئ فيشعر أنه حقا أحد أبطالها”.
أصدرت الغانم مؤخرا عبر دار أطياف السعودية بالتعاون مع الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت رواية “رائحة العطر”، وهي الرواية الثانية بعد رواية “بين الشرفة وشجرة اللوز” الصادرة عام 2012. وتشتغل الغانم على مجموعة من القصص، تتطلّع إلى إصدارها قريبا، كما أن هناك نصا روائيا وليدا، تدور فكرته حول الصراع الفكري بين الشرق والغرب.
حول التجربة
تنتمي زهراء الغانم -مواليد القطيف (شرق السعودية) 1967- إلى جيل ثقافي عاش بدايات الطفرة الاقتصادية المتسارعة التي شكّلت الوعي الجديد للشعب السعودي، دون أن يقوم بمراجعة لطبيعة هذه التحولات الجذرية في النسيج الثقافي والاجتماعي الجديد، ويقف القارئ لروايات الغانم عند منطقة واحدة من السرد الخاص بطبقة اجتماعية محددة، يغلب على أبطالها الانفتاح ورفض النسق الاجتماعي السائد، ولا يكاد يرى تلك الطبقة البروليتارية الكادحة التي يعتبرها بعض النقاد -لا سيما الشيوعيين- الشريحة الحقيقية الكاشفة للعمق الإنساني والمراد الوقوف عليه من خلال الأعمال الفنية والأدبية والسينمائية.
تقول الغانم “هناك تركيز على الطبقة الوسطى من المجتمع، ذلك أن لهذه الطبقة الدور الفاعل في الكشف عن هموم الإنسان المعاصر، ومحاولته الدائمة للمواءمة بين همومه الخاصة والعميقة وبين متطلبات العصر، وبالتالي فإن أيّ مجتمع تتقلص فيه هذه الطبقة، يبدأ بالتخلف والانحدار، بل والاضمحلال. صحيح أن بعض الروائيين ركز على الطبقة الكادحة في تصوّر منهم أن لهذه الطبقة دورا فاعلا في النهوض بالمجتمع، لكن الواقع مختلف تماما، حيث أن الطبقة الكادحة منهكة، بل مطحونة بهموم الحياة اليومية، وفي الجري وراء توفير احتياجاتها الأساسية. طبعا أود أن أوضح كي لا يكون هناك لبس بأنني أحاول أن أقلل من دور الطبقة الكادحة في التغيير الاجتماعي، لكنني أعني هنا التعبير عن الهموم الخاصة بالطبقة المثقفة، لا الهموم السياسية، واالطبقة الكادحة، والتي عادة ما يقودها أفراد من فئات المجتمع المختلفة”.
عندما يتلمس القارئ جغرافيا الأبطال الذين ينشطون في فضاءات الرواية لدى الغانم، يجد مدنا في فرنسا، وفي مصر، وفي العراق لكنه لن يجد القطيف. سيعرف أن الأبطال مروا بجامعات في المملكة وبأمكنة خاصة وعامة بها، لكن الغانم لا تسمّيها بأسمائها، بل تترك للقارئ التكهّن بها. ربما دفعها لذلك قلقها من الرقيب، وربما لرغبتها في أن تكون فضاءاتها السردية منسجمة مع تجارب إنسانية كثيرة دون الاكتراث بالجغرافيا.
تعلّق الغانم على ذلك “في الواقع إنني لم أفكر في الرقيب. صحيح أن المكان من العناصر الرئيسية المكونة للرواية، لكن هذا لا يعني أن الكاتب مطالب بتسميته، إذ يكفي ذكر تفاصيل المكان من خلال السرد لتتمخض عن ذلك هوية المكان، ويعطي القارئ رؤية كاملة عن المناخ الذي تجري فيه أحداث الرواية، بالإضافة إلى أنني أرى في عدم تسمية المكان ما يتيح للقارئ فرصة تصور مساحات أوسع، والانطلاق إليها، ومن ثم تخرجه من محدودية الجغرافيا، كما تجعل المكان الذي تجري فيه أحداث الرواية أكثر خصوصية، هذا بالإضافة إلى أن بعض الروائيين مثل الروائي الكبير عبدالرحمن منيف، لم يذكر المكان في أغلب رواياته، ولم يخلّ ذلك باكتمال النص الروائي”.
رغم أن الخطاب الختامي لأبطال روايات الغانم كان أشبه برسائل ترسم معنى خاصا للهوية وللانتماء إلى الأرض والوطن، مثلا الرسائل المسكونة بالخوف من المجهول، والقلقة من الرهان على اللامضمون، والمرتابة من الارتهان إلى عدم الثبات على الأرض الصلبة. رغم ذلك فالغانم لا تهتم بإيصال رسالة إلى القارئ وذلك لأنها ترى “أن العمل الفني أيا كان نوعه، ليس بالضرورة يحمل بين طياته رسالة ما، وإلا لكنت كتبت مقالة بطريقة مباشرة، وضمنتها عددا من الرسائل، أو النصائح. لكن المعاناة التي يكابدها المبدع تستمر بالإلحاح عليه، حتى تتبلور لديه فكرة ما، أو مجموعة من الأفكار، ثم يرسم لها قالبا فنيا يكون ملائما لتوجهه، وفي خضم عملية الخلق تجري محاولة حثيثة من قبل الكاتب لإخضاع هذه الذات العصية، ومن ثم نقل أفكاره بطريقة غير مباشرة من خلال الشخصيات والأحداث”.
لا يشغل الغانم التوثيق الروائي للعادات والتقاليد الاجتماعية بقدر انشغالها بخلق فضاء ومساحة تجري فيها الأحداث وتتحرك الشخصيات بطريقة طبيعية منسابة مع الزمان والمكان اللذين تجري فيهما أحداث الرواية دون أن يكون هناك افتعال لحدث، أو إقحام لشخصية، ومن الطبيعي -حسب رأيها- أن يتم رسم صور فوتوغرافية بطريقة غير مصطنعة لتؤطر الواقع المعيش.
الأدب النسوي
وفي سؤال لـ”العرب” حول انعكاس الربيع العربي الثوري على العناصر التقليدية للثقافة العربية. تجيب الغانم “لا يستطيع الكاتب أن يتنصل من الأوضاع التي تجري حوله سواء أكانت سياسية، أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم غيرها، في الوقت ذاته لا يستطيع أن يسقط أيا من هذه الأوضاع على أدبه، وإلا لأصبحت كتاباته باردة مفتعلة لا حياة فيها، ولا روح، وبالتالي يستطيع أن يسيرها كما يشاء. من الطبيعي أن يتأثر الكاتب بجميع الأوضاع المحيطة به، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، ومع الوقت تتحول إلى همّ لا بد وأن يتحرر منه، ليتخلص من ثقله، فيتبلور في فكرة، أو عدة أفكار، وهنا لا بدّ من قالب فني ملائم يحمل عبء هذه التجربة”.
وفي مداخلة حول مقولات الأدب النسوي أمام حقوق المرأة في المجتمعات الذكورية تؤكد ضيفتنا على أنه بالرغم من أن مصطلح الأدب النسوي منذ أن ظهر في منتصف القرن التاسع عشر كان الهدف منه نصرة المرأة، وإزالة العوائق التي تعترض طريقها، ألا أنها تتحفظ على هذا المصطلح، وترى أن هناك أدبا إنسانيا يشترك فيه كل من الطرفين، لا رجولة فيه ولا أنوثة، ذلك أن هموم الإنسان المعاصر واحدة، وما يعبر عنه الرجل، تستطيع التعبير عنه المرأة بطريقة إنسانية متكاملة. تقول الغانم “عالم المرأة لا ينفصل عن عالم الرجل، كما أن النصوص الشعرية، والقصصية، والروائية التي عبرت عنها المرأة رصدت التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على العالم العربي مثلها مثل الرجل. في النهاية أنا ضد تصنيف الأدب إلى أنثوي، أو ذكوري، فما يعبر عنه الرجل تستطيع المرأة التعبير عنه. وينبغي توجيه الحديث إلى المسائل العميقة في الأدب، والمعاناة التي يعيشها الإنسان المعاصر، والتمييز بين النصوص الأدبية الجيدة، وتلك الرديئة، بدلا من الانشغال بالنص الذي ينتجه الرجل، وذلك الذي تنتجه الأنثى، واستعارة أفكار غربية انتهت، وعفا عليها الزمن”.
_____
*العرب