*ميرزا الخويلدي
لاحظت الدكتورة هويدا صالح، أستاذة النقد والأدب في جامعة الطائف، أن الاحتفاء المبالغ فيه بالروايات النسائية التي صدرت في السعودية خلال الأعوام الماضية لا يمثل استجابة للمنجز الإبداعي وإنما يعكس نظرة ذكورية للنقاد وللمجتمع.
وأشارت هويدا صالح في ورقتها الطويلة عن «محددات المتن الروائي السعودي»، المقدمة لـ«ملتقى النقد الأدبي الخامس»، إلى أن هذا الاحتفاء أضرّ بالتجربة الروائية النسوية، وأوقع النساء في الفخ، حيث استسهلن الكتابة التي تعتمد على كشف المستور على حساب العناية بالجماليات الفنية والبناء السردي.
وتناولت الورقة التجارب الروائية النسائية في المملكة منذ ظهورها في عقد الستينات على يد سميرة خاشقجي، ثم خلال فترة الثمانينات حيث نضجت تجربة روائية ذات مضمون تجديدي وجماليات فنية بارزة.
تلاحظ هويدا صالح أن «النقاد حين تحدثوا عن السيرة الذاتية وسموا رواية المرأة السعودية بميسم السيرة الذاتية، ورأوا أن كل كتابة المرأة تقريبا هي سيرة ذاتية بشكل أو بآخر.. والحقيقة هذه ليست رؤية النقاد للرواية السعودية فقط، بل كل كتابات النساء يدخل إليها القارئ العربي بوجهة نظر مسبقة أن هذه تجربة حياتية للمرأة، أو سيرة ذاتية لها».
وتضيف: «يؤرخ للرواية النسائية بالمملكة بعقد الستينات حيث بدأت سميرة خاشقجي تنشر رواياتها خارج المملكة. وربما أسهم تأخر تعليم المرأة في تأخر كتابة النساء للإبداع، فالسماح للمرأة بالتعلم وتداول الثقافة بدأ متأخرا نتيجة للبنية الذكورية آنذاك (…) ولو تأملنا الروايات التي صدرت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي لاكتشفنا أنها لكاتبات تلقين تعليمهن وثقافتهن خارج المملكة، فسميرة خاشقجي وهدى الرشيد وهند باغفار وفوزية أبو خالد وشريفة الشملان استفدن من التربية الثقافية الخارجية في تقديم هذه الروايات ونسبتها إلى الرواية السعودية بحكم انتمائهن الوطني لا الثقافي. لكن روائيات عقد الثمانينات وما بعده استفدن من الحراك العلمي والثقافي».
وهي ترى أن كتابات تلك الفترة جاءت «أكثر تعبيرا عن الواقع وصارت الرواية نتاجا طبيعيا للسياق الثقافي، فجاءت روايات كاتبات الثمانينات من أمثال أمل شطا في روايتها (غداً أنسى) 1980، ورجاء عالم في روايتها (4 صفر) 1987، وبهية بوسبيت في روايتها (درة من الأحساء) 1987، وصفية عنبر في روايتها (وهج من بين رماد السنين) 1988، وصفية بغدادي في روايتها (ضياع والنور يبهر) 1987.
كذلك جاءت رواية (الفردوس اليباب) 1998، لليلى الجهني، و(وجهة البوصلة) 2002، لنورة الغامدي، و(بنات الرياض) 2005، لرجاء الصانع، أكثر تعبيرا عن السياق الاجتماعي والثقافي الذي اختلف، ولم تعد هؤلاء الكاتبات وغيرهن متلقيات للثقافة، بل أضحين منتجات للاختلاف. فحققت رواياتهن أعلى مقروئية ممكنة في سياق ثقافي واجتماعي آخذ في التغير».
أما سبب الاحتفاء بهذه الروايات فتفسره بكون النظرة النقدية التي تناولت هذا المنتج الإبداعي هي نظرة ذكورية، فبدأ الاحتفاء المبالغ فيه بكل ما تكتبه المرأة السعودية وخصوصا لو أن هذه الكتابة راهنت على الجرأة وكشفت المسكوت عنه في مجتمع مغلق أكثر من رهانها على الجماليات والبناء الفني.
لكن ألا تبدو الفكرة متناقضة، بين اتهام بوجود نظرة ذكورية، وكون الاحتفاء بكتابة المرأة مظهرا ذكوريا؟ تجيب الدكتورة هويدا: «في الحقيقة لا يوجد تناقض في الجملة، فالاحتفاء الذكوري هنا جاء من منطلقين، المنطلق الأول أن يكون الرجل / الذكر هو الراعي لهذا المشروع (…) الذي يقدم الرعاية الذكورية القادرة على احتواء هذا التمرد النسوي، والسبب الثاني أن الرجل غالبا يدخل بنظرة نمطية على كتابات النساء تفرضها الرؤية الذكورية، إنه يدخل النص ليفتش عن الأنثى، وليست المرأة الخالقة المبدعة التي تنافسه في الوجود الإبداعي».
* نساء في الفخ
وتستنتج هويدا صالح في ورقتها أن احتفاء الرجل / الذكر بالروايات النسائية أوقع النساء في الفخ، فرأينا روائية مثل رجاء الصانع تكتب «بنات الرياض» بجرأة واستسهال، فلا تعتني كثيرا بالجماليات الفنية، ولا بالبناء السردي، في حين أن صبا الحرز أفلتت من فكرة الاستسهال رغم أنها طرحت موضوعا شديد الجرأة وشديد الدلالة على المسكوت عنه في روايتها «الآخرون». وأشارت الورقة كذلك إلى تجربة الروائية زينب حفني، في رواية «هل أتاك حديثي» التي تتناول قضية مسكوتا عنها وهي المشكلة الطائفية، وكذلك بدرية البشر في رواية «الأرجوحة»، إذ تتحدث بشكل واضح عن نموذج الرجل في المجتمعات الشرقية مقارنة بنظيره في المجتمع الغربي.
* صورة المرأة في روايات الرجال
لكن الدكتورة هويدا صالح تتساءل في مكان آخر، ماذا عن المرأة حين تكون موضوعا للكتابة في الرواية السعودية التي يكتبها الرجال؟ وكيف يراها الرجال، وما صورة المرأة في الكتابة الذكورية؟
وتجيب: «في الروايات السعودية التي يكتبها الرجل، وتكرِّس تلك النظرة الذكورية صورة نمطية عن المرأة، باعتبارها تابعا للرجل، لا تمتلك وجودها المستقل، وكأنها لا توجد إلا في معيته. وعلى سبيل المثال، فرواية (القارورة) ليوسف المحيميد، و(سقف الكفاية) لمحمد حسن علوان، تقدِّمان الأنثى / الجسد، وتغّيب المرأة الحرة المستقلة شريك الرجال في المجتمع وأحد مكوناته الأساسية.
لا نلاحظ وجودا لامرأة تعيش وتستقل وتنجح وتكون إلا من خلال بحثها الدائب عن الرجل، ليس بكونه الشريك، بل بكونه الذكر – المتسلِّط.
وتصوّر المرأة من خلال هذه الروايات على أنها ما زالت جارية تبحث عن مالكها الوسيم الذي يهبها عذوبة الحياة، وهي في بحث دائب عنه.. وتتساوى في ذلك المثقفة وغير المثقفة.
______
*الشرق الأوسط