تصفيق المرة الأخيرة


مؤمن المحمدي

لم يكن رحيل نور الشريف مفاجئا، ومع ذلك سادت حالة من الصدمة بين أوساط المثقفين المصريين، وليس الفنانين فقط، فالراحل (69 عاما) احتل جزءا مهما من وجدان الثقافة العربية، لتنوع إسهاماته بين السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة والمجال العام، بالإضافة إلى دوره في اكتشاف عدد كبير من الفنانين.

قبل عامين انتشر خبر تعرض الفنان الراحل للمعاناة مع مرض السرطان، وكان واضحا أنه اقترب من خط النهاية، رغم ذلك عاش الفنان ما تبقى له دون توقف، وقدم فيلما جديدا هو «بتوقيت القاهرة»، إخراج أمير رمسيس.
لا يمكن اختصار الحديث عن نور الشريف في مئات الكلمات المتاحة لهذه المساحة، كما أن مهمة اختيار الأهم هي مهمة شاقة في طريق جل ما فيه مهم، غير أن الحديث لا بدّ وأن يتطرق للمخرج سعد أردش الذي اكتشفه صغيرا، وقت تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية في دفعة 1967.
اختاره أردش للعب دور في مسرحية «الشوارع الخلفية»، فكانت الخطوة التالية المنطقية هي دخوله عالم السينما عبر بوابة ضخمة اسمها «حسن الإمام» الذي قدمه في «قصر الشوق»، الفيلم الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ، ليتحول «محمد جابر» (اسمه الرسمي) إلى نو ر الشريف بصورة نهائية، كما يغلق ملف كرة القدم، الذي كان قد بدأه كلاعب في نادي الزمالك.
من النادر أن تجد فنانا استطاع أن يوازن بين المسرح والتلفزيون والسينما كما فعل الشريف، ففي كل مرحلة من مراحل حياته كان يقدم عملا محوريا من خلال إحدى النوافذ الثلاث.
ويدين مخرجو جيل الثمانينيات لنور الشريف بالكثير، فقد أسهم في تقديم أغلبهم بأعمال لم يكن إسهامه فقط التشجيع بأداء دور البطولة، بل كذلك عن طريق تحمله تكاليف إنتاج الفيلم نفسه، ومنهم على سبيل المثال المخرج محمد خان، الذي أنتج له الشريف فيلمه الأول «ضربة شمس»، ثم عاطف الطيب في «الغيرة القاتلة» ويليه «سواق الأتوبيس» (أيقونة السينما الواقعية)، قبل أن يمتد مشوارهما معا حتى آخر أفلام الطيب «ليلة ساخنة»، وكذا داوود عبد السيد الذي قدمه في «البحث عن سيد مرزوق».
ولا ينسى المثقفون العرب خوض الشريف لمغامرة تقديم فيلم «ناجي العلي» 1991، وما صاحب ذلك من هجوم على كل صناع الفيلم، وأولهم الشريف نفسه، على خلفية رفض السلطات المصرية وقتها لخط «العلي» السياسي، وما تلا ذلك من منع للفيلم، وإفراد الصفحات للتحريض على الشريف، والمطالبة بمنعه من العمل.
وكان الشريف حريصا على ألا يفقد صلته بالمسرح، مهما كانت ظروفه (الهاء تعود للفنان، ويمكن أن تعود للمسرح كذلك) فقدم عددا من العروض أهمها «كاليجولا» لألبير كامو على مسرح سيد درويش بالهرم، كما خطط في السنوات الأخيرة لتقديم سيرانو دي برجراك، وحالت وفاة معدها حازم شحاتة دون إتمام المشروع.
تلفزيونيا، كانت مسلسلات الشريف دائما ما تحمل جدلا، لتقديمها رؤى تاريخية واجتماعية ربما لا تلقى قبولا من المثقفين، مثل المسلسلات التاريخية، وتقديمه رؤية خاصة لهارون الرشيد وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن العاص، (رحل دون تحقيق حلمه بلعب دور الحسين بن علي) وأبرز مسلسلاته الاجتماعية كانت «لن أعيش في جلباب أبي» و «عائلة الحاج متولي» وأخيرا «سعد الدالي» الذي قدم من خلاله حسن الرداد وعمرو يوسف وأحمد صفوت وغيرهم من نجوم التلفزيون حاليا، كما دعم عددا من الممثلين مثل خالد كمال، والكتاب مثل عبد الرحيم كمال، وكان مهتما حتى اللحظات الأخيرة بتشجيع الجديد.
وشهد مهرجان دبي العرض الأول للفيلم الأخير «بتوقيت القاهرة»، ويقدم المخرج إياد صالح، شهادة للعرض يقول فيها: «لا يمكن أن تقاوم فكرة حضور الفيلم ومشاهدته في أول عرض له، خاصة إن كنت تعرف أن «نور الشريف» سيتواجد في قاعة العرض التي امتلأت بالجمهور لدرجة أنه كان مصيري أنا وصديقي المخرج أمجد أبو العلاء الجلوس علي الأرض في نهاية القاعة. يضيف إياد: بمجرد صعود «نور الشريف» إلى المسرح بعد أن قدمه رئيس المهرجان، بدأت حالة من التصفيق الغريب، في العادة يبدأ التصفيق عاليا ثم يهدأ تدريجيا حتى ينتهي، قد يطول في حالة أهمية النجم ولكن دائما ما يكون تدريجيا، لكن في ذلك اليوم بدأ التصفيق عاليا، وعندما بدأ في الهدوء عاد ليرتفع مرة أخرى، ثم هدأ ثم عاد ليرتفع مرة أخرى، وكأن الجمهور كان يشعر في نهاية التصفيق أنه لا يكفي، فيعود ليبدأ من جديد.
ويختتم إياد شهادته: كنت أشعر أني أصفق لكل ما قدم نور الشريف وليس فقط بتوقيت القاهرة، وعندما نظرت لأمجد شعرت أننا لا نود أن نقول لأنفسنا أننا نخاف أن تكون هذه المرة هي المرة الأخيرة.
وقد كانت.
السفير

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *