شاعت في العالم، عبر التاريخ، سير قادة عديدين، ارتبطت أسماؤهم بصفة “الطاغية”. وليس أقل هؤلاء شهرة: موسوليني وهتلر وستالين وفرانكو وتيتو وشاوشيسكو وموبوتو ومعمر القذافي. إذ حكم هؤلاء جميعا، شعوبهم، بقدر كبير من الاستبداد، وكانت ضحاياهم بالآلاف، وأحياناً بالملايين. فكيف عاشوا، إذاً، أيامهم الأخيرة؟ الإجابة على هذا السؤال يقدمها كتاب جماعي: “الأيام الأخيرة للطغاة”، بإشراف ديان دورسيه، المؤرخة الفرنسية التي سبق لها وأن قدّمت كتابا ناجحا بجزأين، تحت عنوان: “نساء الطغاة”.
قدم المساهمون في الكتاب الذين يزيد عددهم عن العشرين باحثا وصحافيا ومؤرخا، توصيفا للأحداث والظروف التي عرفتها الأيام الأخيرة لأكثر الطغاة شهرة، بين أولئك الذين عرفتهم المسيرة الإنسانية خلال تاريخها. وذلك على مدى عشرين فصلا.
تشير المشرفة على الكتاب، في البداية، إلى أنه يمثل عملا يأتي في “السياق المنطقي” لسابقه، المكرّس لـ “نساء الطغاة”. ومن هنا جاء الاهتمام بالحياة العاطفية للطغاة أنفسهم، والذين يتشاركون بقاسم مشترك، وهو أنهم “جذبوا شعوبهم أولا قبل أن يمارسوا عليها طغيانهم”. ولكن السؤال: هل كانوا يتصرفون في حياتهم العاطفية بالطريقة نفسها؟
وما يتم تأكيده في الكتاب، أن الطغاة، بالغالب، وباستثناء وقوع حادث عارض أو مرض، عرفوا “موتا عنيفا”. ومن القوانين العامة التي تنطبق على جميع الطغاة في التاريخ، هناك واقع أنهم من خلال امتلاكهم السلطة المطلقة على الآخرين، يفقدون السلطة على أنفسهم. ويشير الكتاب، أيضا، إلى أنه ليس بينهم من يخرج عن هذا القانون. كما يتسمون بصفة مشتركة أخرى، وهي أنهم جميعا، مارسوا القتل، ولكن مع فارق في الوسيلة.
ويسلط الكتاب، الضوء، وبتوسع وعمق، على طريقة عيش بعض مشاهير الطغاة، آخر أيامهم، مبينا أن موسوليني الذي أقام النظام الفاشي في إيطاليا، قبل ثلاثة أيام من نهايته، أراد أن يفاوض في 12 ابريل 1945، على استسلامه في ميلانو، مع المجلس الوطني لتحرير إيطاليا.
وعند الاجتماع بهم أخبروه باستسلام ألمانيا، فقرر مغادرة المدينة مساء ذلك اليوم، بموكب مؤلف من 100 سيارة، تقلّ مسؤولي نظامه الكبار. وكان هو في سيارته من نوع “الفا روميو”، برفقة عشيقته كلارا. فوصل الموكب إلى مدينة كوم. وتابع في فجر اليوم التالي، لينطلق منها نحو سويسرا.
ولكنه عرف، وهو على مقربة من حدودها، أن السلطات السويسرية ترفض دخوله. وعقبها، تعرّف أحد الثائرين على موسوليني، الذي أراد الهروب من إيطاليا متخفيا. وهكذا قبض عليه وعلى موكبه. وعند الخامسة والنصف من مساء يوم 28 أبريل عام 1945، أعدم 18 شخصا من أنصاره، في مدينة دونغو. وبعد ساعات، علقت جثث موسوليني وعشيقته كلارا وفاشيين آخرين، من الاقدام، في إحدى ساحات مدينة ميلانو.
وأما الأيام الأخيرة من حياة هتلر، فكانت في مدينة برلين، في الملجأ الذي كان قد نقل إليه قيادته، منذ 16 يناير، في عام 1945. وتدل مؤشرات كثيرة، على أنه كان ممزقا بين آماله الموهومة بإمكانية الانتصار على الجيش الأحمر السوفييتي، الذي كان يزحف على برلين. وبين “نزعة التدمير الذاتي”. وكان شاهدا، لا حول له، على دخول القوات السوفييتية إلى برلين، وعلى خيانة بعض المقرّبين منه، قبل أن يقرر الانتحار.
وبالنسبة لجوزيف ستالين، يطرح الكتاب السؤال التالي: ما الذي حصل بين 28 فبراير من عام 1953 إذ شوهد ستالين للمرة الأخيرة، بصحّة جيدة.. وبين السادس من مارس من السنة ذاتها؟ وسؤال آخر، هو: لماذا انتظر مستشاروه مدة 10 ساعات، قبل أن يستدعوا الأطباء؟
والتأكيد في الإجابة أن صراعا مريرا كان يدور بالقرب من سرير ستالين وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، من أجل خلافته على السلطة. ويوضح الكتاب، أنه عند الساعة الثالثة صباحا، بعد 24 سنة من إصابة ستالين بأزمة صحية، كان بيريا، رئيس المخابرات (الكي.جي.بي)، ومالنكوف، بالقرب منه. وكان يبدو نائما. وحشرجاته كانت مثل شخير النائم..
ووصل الفريق الطبي إلى حيث كان ستالين، بعد 48 ساعة، كان خلالها الدكتاتور السوفييتي يحتضر.. وفي صباح الخامس من مارس، عام 1953، دخل ستالين في سلسلة من مراحل عبوره إلى الليل الأبدي.
ومن آخر الطغاة الذين يستعرض الكتاب، أيامهم الأخيرة، معمر القذافي.
إن “الأيام الأخيرة للطغاة” كتاب عن نهاية عدد من الطغاة المستبدين، الذين أثاروا الرعب في قلوب شعوبهم، وحكموا في القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين.
الكتاب: الأيام الأخيرة للطغاة
تأليف: ديان دورسيه وآخرون
الناشر: بيران باريس 2012
الصفحات: 348 صفحة
القطع: المتوسط
Les derniers jours des dictateurs
Diane Ducret etة
Perrin – Paris- 2012
348 .P.
( البيان )