*نوران يوسف
خاص ( ثقافات )
توجهت بنظرها إلى أحد أركان الغرفة المستطيلة، تحديداً، في ذلك الركن البعيد عن مساحة الضوء المنبعث من المصباح المعلق فوقها مباشرة. جلست على حافة السرير، حاولت تدقيق النظر في ذلك الركن شبه المظلم، لم تر سوى حواف أحرف باللون الذهبي مكتوبة بخط الثلث، كانت فقرة من قصيدة لابن الفارض لا تذكر من أهداها لها، لكنها تذكر ذلك اليوم جيدا حتى بعد مرور أكثر من عشرين عام، تحديدا في اليوم السابع من كانون الأول، تأتيها رسالة في ذلك اليوم من كل عام تذكرها بهذه الفقرة، ترددها في سرها قائلة:
“ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا .. سر أرق من النسيم إذا سرى
وأباح طرفي نظرةً أمّلْتُها .. فغدوت معروفاً وكنت منكرَّا”.
جلست أمام شاشة الكومبيوتر، حاولت تذكر تفاصيل الحدث وهي تعبث في ثنايا ثوبها الفضفاض، لا تعرف سر سعادتها وهي تقرأ هذه الرسالة، كانت تنتظر هذا اليوم بالذات من كل عام، عندما تصلها الرسالة، تبتسم وكأنها تأكدت من وفاء هذا المجهول بوعده المنسي. احتارت في أمرها، تركت الكرسي بتوهدٍ، اتجهت نحو دولاب ملابسها، وأخذت تفتش في صندوقٍ خشبي صغير به بعض متعلقات لاصلة بينهما، تذاكر سينما، رسائل مكتوبة بخط اليد، بحثت عن خيط ربما يذكرها بصاحب تلك الرسالة السنوية، وجدت من بين تلك المتعلقات.. خاتم فضي داخل ظرف، أخذت تفحص الخاتم، وجدت إسمها محفور فيه بجانب تاريخ هو نفسه يوم الرسالة، حينها، انخرطت في بكاء مسترسل مكتوم. أحست بأنها تسمع صوته، ضحكاتهما معاً، همساتهما كطفلين صغيرين، شعرت بحنين لوطنهما الموغل في القدم، شكلاه معاً وانتظرا العودة إليه سوياً، تذكرت الآن أنها لم تتح له الفرصة لينتظر ويعود إليها في هذه اللحظة بعد أن تخطت السبعين من عمرها، لكن صوته يعود ليصبح مسموعاً أكثر، تشعر به وهو يهمس في أذنها، فتأخذ صندوقها بين ذراعيها وتنام دافئة في فراشها وهي تسمع صدى صوته من بعيد يقول لها: “لا زلت على عهدي”.
***