محمد بن امحمد العلوي
قال محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة “منتدى أصيلة” إن مصير العرب ومآلهم شكل في خضم التحديات الموروثة والمستجدة يعتبر أحد أهم انشغالات موسم أصيلة السنوي.
وكان بن عيسى يتحدث بمناسبة الندوة الفكرية التي نظمها القائمون على موسم أصيلة الثقافي في دورته 37، تحت عنوان “نكون أو لا نكون”، لمناقشة هموم وتحديات المجتمعات العربية ومقاربة حلول ترفع الضيم عن هذا الجزء من العالم.
وتعتبر ندوة “العرب نكون أو لا نكون”، خاتمة الندوات الكبرى المدرجة ضمن فعاليات جامعة المعتمد بن عباد الصيفية في دورتها الثلاثين.
وأضاف بن عيسى أن الدورة السابعة والثلاثين لمهرجان اصيلة، كانت مناسبة لمقاربة الموضوع من زوايا عدة.
وعاد بن عيسى إلى الندوة الأخيرة من الدورة السابقة في نسختها 36 التي كان لها عنوان “العرب غدا: التوقعات والمآل”، ليؤكد على أن ذلك الشعار كان بمثابة ناقوس الخطر، تضمن معاني وإيحاءات امتزج فيها التفاؤل المشوب بالحذر، من الحاضر المضطرب والخشية من المستقبل الغامض.
وأضاف أن الدورة 36 كانت بمثابة استهلال استباقي للدورة 37 لما يميز عنوانها من تعبير لغوي مشحون تطبعه نبرة حادة هي اقرب إلى الاستغاثة الدرامية في لحظة مفصلية، ووضع شديد التأزم.
واستضافت مدينة أصيلة على شاطئ المحيط الأطلسي، هذه السنة فعاليات موسمها الثقافي الدولي في دورته السابعة والثلاثين، الذي تنظمه مؤسسة منتدى أصيلة، مجموعة من الشخصيات من المغرب ومن خارجه، من عالم الفكر والسياسة والاقتصاد والإعلام والفن، وكانت الإمارات ضيف شرف لهذه الدورة.
وفي إشارته إلى ما اصطلح عليه الربيع العربي، أكد محمد بن عيسى أن هذا الأخير أظهر عيوب بعض الأنظمة السياسية، وكشف المعيقات الداخلية المعرقلة لانطلاقتها نحو التحديث والحكم الرشيد.
وفي ذات السياق السياسي والاجتماعي والرجة التي حدثت في دول عربية في العام 2011، نوه بن عيسى بالنهج الذي سلكته المملكة المغربية بإرادة متبصرة وجرأة نادرة من العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وقال بن عيسى إن الملك محمد السادس أصغى إلى جوهر الرسالة التي رفعها الحراك أو الربيع العربي، رغم أن ما وصل منه للمغرب مجرد أصداء وظلال، مزيته أنه أتاح لعاهل المغربي “إخراج أجندته للإصلاحات الكبرى، فمضى قدما وبسرعة في تنفيذها بشجاعة وإقدام، إيمانا منه أن واقع البلاد بحراك أو بدونه يتطلب تلك الوثبة”.
وشدد وزير الخارجية المغربي السابق، على أن المغرب ودون مبالغة يشكل الاستثناء العربي تقريبا وهي صفة بإمكان أي بلد ان يحوزها وفق نسقه التاريخي وبنيانه المجتمعي.
واعتبر ان الاستفادة من النموذج المغربي ممكنة كإطار مرجعي للإصلاح السلمي التوافقي إن تضافرت مع نماذج أخرى، فإن المجتمعات العربية المنخرطة في الإصلاح، ستكسب مناعة وقدرة على مواجهة ما يتهددها من أخطار “لتكون بدل (من) أن لا تكون”.
أما فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبناني السابق، فأكد أن عنوان الندوة “نكون أو لا نكون”، يحمل الكثير من التحدي لكنه يقتضي الكثير من الإرادة.
وأضاف انه ضروري أن نقف ونكون في مستوى الشدائد التي نتعرض لها والمستقبل الواعد الذي ينتظره منه منا الأجيال الصاعدة.
وفي ذات الإطار وشحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” محمد بن عيسى، بميدالية “مولانا جلال الدين الرومي”، اعترافا بإسهامه الثقافي والسياسي وترسيخ مبادئ السلام والتعايش، خاصة من خلال مبادراته في موسم أصيلة الثقافي.
وقال المتوج بجائزة اليونسكو بأسف، إنه إذا كان عنوان ندوتنا ربما يحيل على معاني اليأس والإحباط، ويعمق الإحساس بإخفاق المشروع العربي، بما يعنيه من تهاوي الأحلام الرومانسية والواقعية، فإن الموضوعية تفرض علينا التسليم بأن واقعنا العربي الملموس والمعيش ليس خلاف ذلك.
ولم يخف بن عيسى تشاؤمه من أن بصيص الأمل الذي عبرت عنه في الدورة السابقة وهي تتداول في موضوع مستقبل العرب سرعان مامحته تطورات وأحداث جسام، ألقت بكابوسها الثقيل على أجزاء من الوطن العربي، وأوجدت أجواء مأساوية فيها دول تتفكك وأخرى على لائحة الانتظار وحروب أهلية غير مسبوقة في جبروتها وعنفها وعبثيتها، ولا أحد يعرف كيف يوقف الإعصار المدمر.
واسترسل بن عيسى مشخصا مظاهر الواقع العربي الذي فتح فيه الإرهاب الأبواب للتدخلات الخارجية، وضاعف شهية الأطماع الأجنبية فالتقت أهدافها على محو الكينونة العربية، وفي أخف السيناريوهات تفتيتها إلى جزئيات متناثرة متباعدة.
وبنبرة متشائمة أشار الوزير المغربي السابق إلى المشاكل المقلقة والمرعبة التي تحاصر بكثافة بعض الأقطار العربية لدرجة أنها تشل القدرة على التفكير والعمل ورد الفعل المطلوب.
وشدد بن عيسى، على انه “ربما لم نعد نواجه احتمال عالم عربي جديد، وإنما اندثار الاسم والمسمى وقيام دويلات وكيانات منكفئة على نفسها رهينة وتابعة لقوى نافذة”.
واستدرك وزير الخارجية المغربي الأسبق، قائلا إنه رغم هذه الصورة من الواقع العربي لا يجب أن تغيب عن أذهاننا نزعة التفاؤل، لأن العرب كمجموعة ذات إمكانيات هائلة وطاقات متجددة وموقع استراتيجي حيوي وبتكاملهم وتعددهم الثقافي والديني واللغوي والقومي، قادرون على قهر التحديات.
وساق شرطه لتحقيق هذا المبتغى، بمراهنة المجموعة العربية على تقوية المشترك فيما بينها وهجرت المختلف. فكل قطر عربي، حسب بن عيسى، مؤهل ليؤسس نموذجا تنمويا مستقلا في تكامل وتعاضد مع المكونات الأخرى.
واعتقد يضيف المتحدث، أن هذا الرأي متقاسم ومتداول بين النخب العربية دون أن يجد حتى الآن من يدفع به بقوة ليصل إلى طور التنفيذ العقلاني.
وفي الأخير، أكد رئيس منتدى أصيلة الثقافي أن هذه الندوة ليست لتبادل اللوم وتحميل الأجنبي تبعات أخطائنا فذلك أسلوب عتيق هو الذي آل بالعالم العربي إلى ما هو عليه الآن. والمطلوب حسب محمد بن عيسى مقاربات مستقبلية تستشرف ما هو آت نستعد له لدرء أضراره.
ميدل ايست أونلاين