مريم الساعدي *
يتجولون بملامحهم الصافية، قلوبهم تطفو على وجوههم، فتظن أنك تعرفهم، وأنك تفهمهم، وتحس بهم، وأنهم أصدقاؤك، على الرغم من أنك ربما لم تلتق بهم قبل ذلك، ولم تقرأ لهم شيئاً.. بعد.
إنهم الكُتّاب. هل قلت من قبل إني أحب الكُتّاب؟ أولئك المشتغلون على الكلمة بصدق، ليس المتربحين من ورائها بغرض الظهور فقط.
الكُتّاب الحقيقيون، كثير منهم، اجتمعوا مؤخراً في مهرجان طيران الإمارات للآداب في دبي. تحدثوا في ندوات مختلفة، مرة عن بداياتهم، عن حرفة الكتابة، عن تلك الصنعة التي تحرق الروح، فتضيء الحياة. ومرة عن التحديات والمصاعب وكل المعارك الفكرية التي خاضوها، ليحجزوا لأنفسهم مساحة على منصة الكلمة. قد يكونون مبتدئين، لهم من الكتب المنشورة واحد أو اثنان، ولكنها تركت أثراً، وقد يكونون كتاباً شهيرين، ترسخت أقدامهم في عالم الأدب، لهم إنتاج متواصل، يتفوق آخره على أوله، ولا يُسقط أوسطه، ولكن ترى فيهم، كلهم، ذلك التردد المحبب، لا يسيرون بثقة من وصل وتحقق بل بحذر من ما زال يتلمس الطريق. طريق المعرفة لديهم مستمر، فلا يبارحهم الشك في أنهم لم يقدموا بعد ما يجب تقديمه، لم يقولوا بعد ما يريدون قوله، ليس هذا بالضبط ما يرضيهم، الشك الدائم في جودة إنتاجهم وجدواه، هذا الشك يضفي عليهم لمحة إنسانية تشبهنا جميعها، وهو ما يجعل كتاباتهم تقطر صدقاً ودفئاً ومحبة إنسانية، تجعلك تشعر كمن اغتسل للتو بماء ورد أراح نفسه، وهدّأ صراع الأفكار في عقله. يغزلون من الأفكار والمشاعر حكايات، فتصير كتباً جميلة، تنحت في النفوس أنهار ماء، فتصفو وتشفّ، وتزرع في الفكر براعم تبصر صغيرة، فيجلو ويتألق.
نحتاج أكثر إلى كل تلك الأجواء التي تدخلنا في حالة تصالح مع الذات، وتفاهم مع العالم.
يُعاب على المهرجان ندرة الأدباء العرب المدعوين، هذا مبحث آخر يجب ألا يمنعنا عن التفاعل مع مهرجان أدبي يأتي إلينا برُسل المحبة من أصقاع الأرض، فنراهم. نستمع، ونتفكر، ونتعلم. العالم الغربي يحتفي بالكلمة، أكثر مما نفعل في الشرق، لا ضير أن نستمع لما لديهم فنعرف لِمَ نقف حيث نحن؟، ولماذا نعتبر شراء سندويشة فلافل أفضل من شراء كتاب أو شراء أحمر شفاه ماركة «شانيل» أفضل من دفع المبلغ نفسه لحضور ندوه أدبية؟.
يقترح البعض أن يكون الحضور مجانياً، هل سيجعل هذا الجمهور العربي يهتم بالحضور؟ ألن يكون متابعة الحلقة الأخيرة من مسلسل العشق الممنوع أكثر متعة؟
الحياة تأتي مرة واحدة، التوقف عند تجربتنا ومقاطعة تجربة الآخرين ليس بالضرورة اعتداد بالهوية، أحياناً كثيرة مجرد كسل.
لا يقتصر الغياب العربي عن الحضور على الناس العاديين، الكثير من المشتغلين بالحقل الثقافي والكُتّاب أيضا لم يكن لهم وجود. يقول أحدهم ولماذا لم يقدموا لي دعوة؟ هنا تسقط غلالة الشك التي تضفي على الوجوه قرب قلب، فيخرج المبدع من دائرة الاشتغال بكتابة الحياة لدائرة البحث عن الاعتراف في كل محفل. ولهكذا مبدع لن أتكلف الحضور وسأشتري، عوضاً عن كتابه، ساندويتش فلافل أتلذذ بها، وأنا أتابع الحلقة الأولى من «مسلسل لن أعيش في جلباب أبي».
يجب أن نقول شكراً دبي، على هذا التوهج الأدبي السنوي
* قاصة من الإمارات العربية المتحدة
( الاتحاد )