*ماماس أمرير
خاص- ( ثقافات )
الإنسان هو عاطفة غير مجدية \سارتر
————————-
من هنا تبدأ السخرية: أن تكون مجرد قلب يرمم أحزانه طوال الحياة ولا يحفل بأي نتيجة!
ثم لا تلبث أن تسقط أطرافه تبعاً وتتراكم سخرية المعنى، ومع ذلك نصرّ أن ننبش في الفكرة بحرقة بالغة، نرتب ألف سبب للغموض وملايين الأسباب للموت…
أي قلب يستطيع احتمال كل هذا الألم؟
اليد الطاعنة في الحب لها أن تلوح لنا وتغادر، تتركنا نجهش لعذاباتنا وقلوبنا التي تجر أذيال الجرح دون أن نحظى بالسلام …
يا لهذا العالم كم هو مرعب!
العالم يهمني بشكل مثير للغاية، أشعر معهُ أحيانا كثيرة أني شخص مزعج… ورغم ذلك فإنّ هذا يمنحني بعض الرضى: ولا أهتمّ لهؤلاء الذين لا يتحمّلون شعور إنسان بالهزيمة، أو أن النكش لمس جوانب الفشل الراكدة في بركة الحياة.
أعترف بأنني تعبتُ من الجري ورائي والإمساك بي، كلما رسمتُني وحولي دائرة، أنهار تماماً، ولكي أطمئن أن كل شيء يؤسس له بشكل جيد.. أضع بابا كاحتمال أكيد لعملية التفريغ المتواصلة التي تنتابني، في النهاية أجد أن الأشكال والفتحات وسط هذا الحنين الأليم، ما هي إلا فكرة بائسة للتعامل مع خط الرجعة بثقة كاملة، وحتى أجد لعجزي وخيبتي فرصة للهرب.
كل تجربة قاصرة مآلها الموت، إن هذا يُبدّد مشاعري، وتفكيري.
الخيانة مسألة حتمية بلا شك، لا يمكن أن أظل رهينة لفكرة واحدة… لستُ دائما وفية للمواعظ التي ورثتها والتي أوصوني بها خيراً ووضعوها في ذهني زاداً حتى أنهل منه “كلما أحسست بالجوع” فأنا لم أفضل يوما أن أضع شيئا ميتاً نُصب عيني، بل أحتفظ بالأشياء التي تتجدد باستمرار.
ستتعقد الأمور بداخلي إذا لم أفكر في كل هذه الأمور… أقصد أنها وسيلة مقنعة لأكتشفني… بعض الأفكار استنفذت كل أهدافها لديّ، خصوصا ما يخص الجانب الروحي وما يسبب لي الوجع باستمرار… وأعتقد بثقة تامة أننا كائنات بائسة.
بدأ يصبني اليأس الديني فهذه البشاعة المفرطة والعنيفة تستفزني تقتل أشياء هادئة وعميقة، بل إنها تحدث انفجاراً مدويا بداخلي، يحطم كل شيء.
ليست طريقة سيئة في التفكير حين أفكر في تبديد كل ما أشعر به الآن من ضغط كبير، ومن أوهام تقيد حرية روحي.
مسألة الحرية ترعبني…
أدافع عن إرادتي التي أفكر، وأحرص أنها لا تؤذي أحداً، لكنها ترعبني حين أفكر أن أحداً سيستغل حريته لقتل إرادتي.
الطيبة لم تعد تَعنيني كثيرا، لكن، كلما أردت أن أعبر عن السلام بداخلي أبتسم أو أصرخ “حسب الظروف” ينطوي ذلك على شيء مدفون بداخلي ” يظهر بين الفينة والأخرى” هذا الشيء يقع تحت سيطرة ردة الفعل وحِدّة الفعل المعاكس التي يتلقاها ذهني،
أنا مطالبة الآن بأن أكون في حالة تأهب ذهني لأي طارئ، أن أتخلى عما يتسبب في تشتت أفكاري ..أكره التفكير المستمر في الخبرات الماضية وأفكر دائما أنها خططا مدبرة وكمين ينظرني كلما حاولتُ تجاوزني… أغلبها خبرات سيئة، بين الفينة والأخرى تكبدني خسائر فادحة لا أجرؤ على البوح بها …..
أبدو مشتتة الآن، كيف سألملمني؟
مثلا أشعر بالإنسجام وأنا أقرأ لسيوران، يطمئنُ قلبي كثيرا “هناك ما يشبه الحياة ما يشبه الوخزة حين أتلمس الطريق إليّ” الحوار مع هذه الكائنات العميقة يشبه التنقيب عن بقايانا الضائعة في الوهم …..ما يثيرني أكثر هي تلك الحساسية الزائدة بالألم والوحدة وبهذا العالم.
أشبه الآن بطل الجحيم… سجينة جدران غرفتي والثقب الوحيد للتواصل مع العالم هو: الكتب وجهاز الكمبيوتر…
بالنسبة لي هذه معرفة صادمة!!
تبتلعني العزلة ويصبح صوتي مبحوحاً كلما رأيت صورتي في المرآة .. يضغطني هذا الصوت بداخلي ويحرضني على تفكيك كل ما من شأنه أن يمنعني من الصراخ.
العقل الإنساني هو أسوأ شيء مميز ابتلينا به.
أسوأ ما يمكن أن تمنحه الطبيعة للحياة: هو العقل، في رأيي العقل مجرد مصنع لاختراع المآسي…. إنه لا يتجاوز هذا، بكل ثقة تزعجني هذه الفكرة لأنها مجرد فكرة، تشبه فكرة الانتحار.
حتى الفن ملاذنا الأخير لكنه بلا جدوى… ما هو إلا غطاء وهمي للتملص من بشاعة عقولنا وغرائزنا.
بدأت لا أطيقني، ولم أعد أحب طرح مزيد من الأسئلة والتصورات، سئمت من هذا، فالتصورات مجرد كابوس، والأسئلة تموت بالأجوبة، الأجوبة التي نفكر فيها جيدا لا تأتي، والأجوبة المتشنجة في الأغلب سخيفة، أما الأجوبة الأخرى الهادئة منذ أحقاب تنام في زاوية محنطة لا تفعل شيئا سوى أنها تنتظرنا أن نسأل لتقفز مثل ضفدع نائم في مستنقع.
حتى الضمير يحيطنا بالتبريرات، إنه مجرد وسيلة لتبرير جرائمنا والنوم دون أن تهتز مشاعرنا لكل هذه الآلام والأوجاع، ما دام الخطر بعيداً عنّا….
هذا هو الموت السريري للمشاعر، كلما حاولنا إسكات صوت الألم نواصل قتل الضمير، وتكثر التبريرات ونبحث عن ملاذ لكوارثنا “نرسم نكتب” نجعل من الفن ملاذا حزينا لكل كوابيسنا، نزوق به بشاعتنا، ونصبح لوحة تجريدية عاصية عن الفهم.
لنواجه انهزامنا العقلي…. يجب أن نفكر في الفن، أن لا يكون خبيثا كعقولنا، بل يجب أن يكون فسيحا كعواطفنا، ومشتعلاً كتجاربنا المؤلمة، وهادئا كقطعة موسيقا ترافقنا لزيارة الطبيب، إن مثل هذه التداعيات الحزينة توجع رأسي.
عقلي الحاد يرهقني وكل نصوصي، متحفزة لقول شيء ما… شيءٍ غير مسموح البوح به، أو الإفصاح عنه، فكل كتاباتي تدور حول فكرة واحدة هي كيف أخرج من هذا السجن.
باستمرار كنتُ مولعة بنكش جراحي الثقيلة، وتجربتي بكل نقائصها… هذا الإحساس لا يمكن له إلا أن ينقلب فيما بعد إلى وجع كبير يكون الجميع فيه مداناً والجميع متهماً بتحمل جزء من المسؤولية. فقلبي ما زال صغيراً على تحمل كل هذه الحوادث العشوائية التي تجرحني وأتلقاها بصبر كل يوم .
لم أكن محظوظة كثيرا… الصداقة تلعب دوراً كبيرا في تكويننا. إنها دعامة لكل إغماءاتنا، لكنني وحيدة وحيدة لدرجة أنني لم أعد أطيق إلا وحدتي.
أحيانا أتعمد أن أكون طيبة حتى لا أثير أحداً، وأحيانا أروض نفسي للاستلاء على بعض المكاسب الخاسرة… لكن ذلك يفشل غالبا… لا أطيق نفسي فقد كانت الحالات التي أتقمصها تثير الكثير من السخف والإشمئزاز بداخلي.
قناعاتي لم أكن أصرح بها بشكل فعلي وكامل، فقط أرتب لها ديباجة سخيفة حتى لا تثير مشاعر الآخرين، وفي نفس الوقت أحرص على فرضها بشكل ملتوي “أقصد تخريبها” لا أستطيع أن أفهم هذه الطريقة التي تتسم بالخوف والقهر الذي أحسه.
أتوق لحكايات جميلة عن الحب لكن جعبتي فارغة إلا من بعض المطبات السخيفة والكوابيس التي أحرص على عدم التفكير فيها…. المحطات التي تحمّلتني وتحمّلتها بغباء كبير وبحزن وفير، لم تقدم لي سوى وجع سحيق لا ينتهي…
يؤلمني أنني لم أكن املكُ القدرة الكافية لأغامر بقرارات تخصني وحدي، كنت دائما أعاقب نفسي على أخطائي وترددي وخوفي.
الآن لا أريد من هذا العالم أي مطامح، سوى أن أكتب وأتقن الكتابة كي أعبر عن نفسي، دون نقصان.
كيف يمكن لمثلي أن يكتب لهذا العالم، كل ألمه السحيق دون أن يفقد إحساسه بالحب؟
كيف يمكن أن تمسك أوجاعك وجراحك دون أن تذرف ألماً عميقاً وأنت ترتب ديباجة فشلت في انتشالك من هذا الألم؟
ما أحوجني لتلك اللحظة الخيالية، التي أنجبتني، ما زالت تعبر مثل حلم شفيف وتسكن داخلي كشيء عميق وملح.
أحيانا أفكر في إكمال عناصر عزلتي وصمتي، وأنقطع عن هذا العالم، لكن، حين أحتك به أغير فكرتي …..
أكثر إنسان يتعرض للعنف في هذا العالم هو “المرأة”