*دعاء البياتـنه
خاص ( ثقافات )
الوطن هوتجسيدُ الهويّة والوجود،وهو التقاء الذّات مع ذاتها ،والأنا مع أناها في انصهارٍ واحدٍ لا يفصله تنازع ٌوانفصام.
أمّا في رواية “يعدو بساق واحدة” ،فيُلاحظ أنّ الروائيّ سامح خضر، يصوّر الوطن وفق تجربة ذّاتيّة ،إلا أنّ هذه التجربة تتجاوز الخاص نحو العام، والفرد نحوالجماعة، فشخصيّة قاسم العائد إلى فلسطين تعكس معاناة كلّ عائدٍ يبحث عن كينونته وهويته داخل مجتمع تتلاشى فيه الهويّة الكبرى ، أمام الهويات الصغيرة(ابن قرية-بدوي-عائد-لاجئ).
وتقدّم الرّواية صُوَرًا متعددةً للتشابكات النّفسيّة الّتي تواجهها شخصية قاسم، فبين الاحتلالِ الصّهيوني وبين الفساد الإداريِّ، والفقر، ونظرة المجتمع إلى علاقة الرجل بالمرأة،يحاول قاسم أن يقاوم وينتزع وجوده لاكتساب هويّته.
وهنا يُقال:
إنّ رواية “يعدو بساق واحدة”، لا تكتفي بتصوير الاغتراب عن الوطن، إنّما تقدّم رؤية إيجابية يستطيع الإنسان من خلالها أن يقرأ أدبًا يدعو إلى الحياة بكيفية تواجه المحيط المأساوي بإرادة حرّةٍ تخلق واقعًا جديدًا.
وهذا ما يجسّده عنوان الرّواية في تركيبه اللّغويّ، الّذي يتّخذ من الفعل المضارع (يعدو) حركة مستمرة للبحث عن الهويّة، إلا أنّ هذه الحركة تكون بساق واحدة،وهذا ما يعكس حجم التّحديات الّتي تواجه شخصية قاسم داخل مجتمعه.
وتتخذ الرواية في بنائها، شكلا تقليديا قائمًا على ،المقدّمة والوسط والخاتمة،وهذا ما جعل الحدث الرّوائي واقعيّا، يسير في مسارات تراتبيّة متسلسلة تنسجم مع زمن الرّواية.
أمّا على مستوى الشّخصيات فهناك ذاتية يمارسها الرّوائي باستخدامه ضمير المتكلّم، فالسارد المتمثل بشخصيّة قاسم يتّخذ دور البطل الّذي يصوّر مرحلة (ما بعد أوسلو )،بأسلوبٍ لا يخلو من التوثيقيّة وهذا ما أضفى سمة السيرة على الرّواية.
وأرى أنّ شخصيّة البطل(قاسم) لم تتخذ ملامح مادية محدّدة، لتكتسب بذلك طابعا كليًّا يشمل كلّ عائد يصرّ على اكتساب هويته ،لكن الملامح المعنوية تعكس حجم الفرديّة والحريّة التي يسعى البطل إلى تحقيقها مع أنّه لا ينتمي إلى اتجاه سياسي،بل إنّ انتماءه إلى معاناة شعبه هو الّذي شكّل تحوّلا في مفهوم الهوية عنده.
أمّا الشّخصيات الأخرى فتشكّلَت أبعاد شخصيّتها (النفسيّة والاجتماعيّة والماديّة والأيديولوجيّة) ،من خلال الأحداث .
واتّسمت لغة الرّواية بالوضوح، فهي قادرة على ترجمة الشعور بموضوعية وصراحة.
وتبرز أهميّة المكان في رواية “يعدو بساق واحدة”، بأنّ له اسما وملمحا ووصفا،وهذا ما جعله مركز الحدث .
ومما تقدّم يلاحظ أنّ الرؤية الواقعية و تشكيلها في الرواية،جعلت المتلقي يعيش الحدَث ذهنيّا و بصريّا وشعوريّا فالمتلقي يتفاعل مع شخصيّة قاسم الّتي أثبتت ذاتها ووجودها وكينونتها حين اكتشفت أنّ الهوية تعطي نفسها لمن يدرك أنّ فكرة الوطن أكبر من كلِّ شيء.
________
*أكاديميّة وشاعرة من فلسطين