بيروت الجميلة متسوّلة لم تغسل قدميها


فريال أبو فخر

أستعيد، أمام أبواب بيروت التي ما عادت موجودة، عبارة لمحمد الماغوط: «بيروت مثل أمٍّ منهمكة بالغسيل وإذا بان فخذاها قالوا عنها عاهرة». وتبدو مقولة الشاعر الكبير الماغوط الأكثر تعبيراً عما يجري في بيروت حالياً، وهو الذي خبرها شاباً، وهرب إليها خشية من حذاء عبد الحميد السراج، هي بيروت موئل الهاربين المبدعين، والقلب الكبير الذي يضم الفارين من عقم السلطات العربية وبطشها. بيروت اليوم منهمكة في كشّ الذباب عن وجهها الجميل، وتبدو عصية على النظافة كما لو أنها متسوّلة لم تغسل قدميها منذ سنوات، ولكنْ لها وجه جميل يجعلك تهمس في سرك كما امرأة فاتنة هذه القمامة المتنقلة. وحظي مع بيروت أنني قدمت إليها آسرة ومختزلة كل أحلام دمشق، وعارفة لها في كلمات درويش المتألقة (بيروت تفاحة… والقلب لا يضحك)، وها أنذا القادمة من تحت قذائف الهاون أرى في هذه الأكوام مجرد غشاوة تنجلي قياساً بالموت الموزع في شوارعنا.

ها أنذا أدخل بيروت ومعي ذكرياتي الندية عن مدينة تسكن المتوسط، ولكنه لا يبتلعها، وهي المرمية على شاطئه بفقرائها ومجانينها، وشعرائها ومطربيها، وبالسياسيين الذين يجيدون المعارك الهوائية ويحاربون كدينكيشوت المهووس بالانتصارات الضالة.
أحب بيروت وأتمنى لها الأجل الجميل، وما زلت أرى قمامتها مجرد صراع اعتاده ساستها من أجل مكسب مؤقت، ودائماً على حساب تلك المدينة التي لم تكسرها الأباتشي ولا المدمّرات التي تهاوت تحت حصارها المر، وودعت محبيها على ظهر السفن الهاربة إلى قرطاجة حيث تنام أليسار الخالدة.
هنا بيروت، وهذا يعني أنني في المكان القريب من القلب، و(نرجسة الرخام) ستغسل هذا المنام القبيح، وتتألّق من جديد كـ (فراشة حجرية) لا يهزم ربيعها أحد، فكيف بالقمامة التي تدخل في لعبة كعكة السياسة.
المرآة لا يكسرها وهم الصورة المشوّهة لوحش (المزبلة) الطارئة، ولن يخدشها اعتصام المنافقين حول بريقها، ولا أصوات المدافعين عن لونها الأبدي، وبيروت التي إلى جوار قلبي في الشام، مثل ياسمين حواري الشام العتيقة أبدية وخالدة، وقادرة على أن تكش ذباب القذارة بعيداً عن بحرها وأهلها وأهلي الذين يغنون لفيروز… لبيروت من قلبي سلام… لبيروت..
السفير

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

تعليق واحد

  1. مقاله جميله. واحببت طريقة سرد الموضوع وتشبيه بيرود بامراه منهمكة في مهارات الغسيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *