إعادة قراءة الأدب


*محمد إسماعيل زاهر

ما الذي يجعلنا نستمتع بأحد الأعمال الأدبية، على مدار فترات مختلفة من حياتنا؟ سؤال ربما لم يعد يطرحه أحدهم، مع غياب أو تغييب تلك الأبواب الثقافية التي يتطرق فيها البعض إلى تكوينهم المعرفي أو الكتب والمشاهدات التي أثرت فيهم، ودفعتهم إلى الحلم ولاحقاً البحث عن طرائق عدة لترجمة هذا الحلم في إبداع ما، وأيضاً مع عدم الالتفات أو إهمال الحديث عن الأعمال التي يعود إليها البعض بين الحين والآخر، حيث تمثل كل عودة قراءة جديدة تستكشف منمنمات في العمل كانت غائبة خلال التفاعل معه في المرة الأولى .

الأهم من ذلك يتمثل في ملاحظة أن تلك الأعمال، في معظمها، لا تُمتع المتابعين/ المعنيين/ المثقفين، ولكنها تستطيع أيضاً جذب مختلف شرائح الجمهور، أي تلك الفئات التي يصنفها الخطاب “الثقافي” العربي خارج دوائر النخب، إذا تم تقديمها عبر وسائط أخرى: سينما، تلفزيون ومسرح .
النماذج هنا عديدة لا تبدأ بالأيقونة “شكسبير” ولا تنتهي ب “حكايات أندرسن” و”أليس في بلاد العجائب”، وحتى روايات الرعب، فثيمة مثل “فرانكنشتاين” بإمكاننا ونحن نشاهد الفيلم الذي أنتج عن هذه الشخصية في عام 1994ولعب بطولته روبرت دينيرو أن ننسى تماماً النص الأصلي لماري شيلي وكل ما كتب عن هذه الرواية من تحليلات اجتماعية وفلسفية، فالفيلم برغم جرعة الحركة التي يمتاز بها يطرح أسئلة تتعلق بالمصير والوجود .
والمسألة لا تأخذ هذا الزخم لتغير وسيط التلقي وحسب، ولكنها تمتد إلى إعادة قراءة النص نفسه في مرحلة عمرية لاحقة، فحدوتة مثل “أليس في بلاد العجائب” تمنحنا مطالعتها الثانية رؤية تتعلق بتلك التحولات التي تبصرها طفلة اقتصر عالمها فيما سبق على قطتها الصغيرة، فضلاً عن دأبها العفوي على إيجاد طريق للخروج من متاهتها والأسئلة الدالة التي تطرحها إزاء كل مشكلة تواجهها وتعيقها قليلاً عن هذا الخروج، وهنا سنلاحظ أن القصة التي كتبها “عالم الرياضيات” الإنجليزي لويس كارول في العام 1856 ل “الأطفال” ستختزن كل هذه الطروحات المحيرة ل”الكبار” وستؤثر في أدبهم لاحقاً . 
هذه الأعمال وغيرها تتوزع على فئات مختلفة من الجمهور، وتقرأ على مدار العمر، وتمتلك القدرة على التأثير في التكوين الثقافي، وتمتد ظلالها إلى إبداع الآخرين، فهل يعود ذلك إلى الموهبة اللافتة التي تمتع بها أصحابها؟ أم إلى تضمينها في مناهج التعليم؟ أم إلى سيطرة ثقافية لبلدان المنتج؟ أم إلى إعادة تدويرها في أكثر من وسيط ثقافي؟ عدة أسئلة يصعب الإجابة عنها، ولابد أن يعقب تلك الإجابة سؤال إشكالي آخر، أين الأدب العربي، وبخاصة المعاصر، من كل ذلك؟ وهل تعود الإشكالية المتعلقة به إلى عوامل فنية وتقنية أم إلى طبيعة جوهرية؟ بمعنى هل توجد نماذج من أدبنا المعاصر تتمتع بكل هذه السمات ونعجز عن ترجمتها إلى وسائط أخرى أو لا ندرسها في مناهج التعليم . . إلخ، أم أنه أدب يتوجه إلى النخب بالدرجة الأولى؟ خاصة مع توافر نماذج من تراثنا تنطبق عليها هذه السمات، وهنا ألا تبدو هذه النماذج أكثر انفتاحاً وحداثة مما ننتجه حالياً وأكثر معاصرة وتفاعلاً مع النزعة الإنسانية، المفروض أن يتمتع بها الأدب، مما نكتبه نحن؟ 
أسئلة معلقة والإجابة عنها معقدة، ولا يبقى أمامنا إلا محاولة الاقتراب من غياب التطرق إلى هذه المسألة في فضائنا الثقافي الراهن: لماذا لا يحدثنا أحدهم عن عمل أعاد اكتشافه في مرحلة نضجه المعرفي؟ ولماذا لم نعد نقرأ عن مسألة التكوين الثقافي؟ وهل الأمر يتعلق بضآلة المتابعة والنقد؟ أو الانشغال بملاحقة الإصدارات الحديثة؟ وماذا عن أدوار الصفحات والمجلات الثقافية؟ وماذا عن إلهام الأجيال الجديدة والتأثير فيها؟ وحتى إذا عثرنا على موضوع هنا أو هناك يتناول هذه المسألة، ستلاحظ تلك اللغة التنظيرية والمركبة، بحيث لا يجتذب الموضوع المبدع المبتدىء أو القارىء العادي الذي، ربما، ينتظر من يمنحه بعض المفاتيح التي يمكن من خلالها الولوج إلى عوالم أخرى ترتقي ليس بشعوره ورؤيته للأشياء ولكنها فضلاً عن ذلك ترتفع حتى بلغته، هنا سيغيب التراكم الثقافي بالنسبة للمبدع، والحس التنويري الذي يؤدي إلى التسامح وتقبل الآخر بالنسبة لمن أطلق عليهم من ننتظر منهم النهوض بنا “العوام” . 
__________
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *