قراءة الرواية والتاريخ


*أمير تاج السر

كنت قد كتبت في مقدمة روايتي «توتُّرات القبطي» الصادرة منذ عدة أعوام، أن هذا النص رواية وليس تاريخاً.

هذه العبارة التي كتبتها في مقدمة نصّ منتَج من الخيال، فيه الشيء الكثير من التاريخ، والشيء الكثير من الحاضر أيضاً، أثارت جدلاً لا بأس به، ووصلني الكثير منه عن أحقّيّة الكاتب في وضع خطّ يريد للقارئ أن يسير عليه، أو ترك القارئ يسير على خطِّه الخاص الذي يستنتجه في أثناء القراءة، من دون تدخُّل أو توجيه من الكاتب، وبذلك يحقق النص الأدبي الغرض من كتابته، خاصة أننا درجنا في كثير من أعمالنا على وضع مثل تلك العبارات، كأن يضع أحدهم عبارة تقول بأن هذا النص خيالي بحت، وأيّ تقاطع فيه مع الواقع لا يعدو مجرّد تشابه.
في الواقع وفي أيّ نصّ معاصر ربما يتقاطع، بطريقة أو بأخرى، مع حقبة تاريخية ما، يتبيّنها القارئ من الجو العام للنص ومفردات البيئة التي صيغ عليها وأحوال المجتمع في تلك الحقبة المعينة، قد توجد قراءة خاطئة، ويوجد فهم خاطئ يترتّب عليه محاكمة الكاتب كمؤرِّخ، تجرَّأ على التاريخ وحَرَّفَ وقائعه، أو جزءاً من تلك الوقائع المدوَّنة وثائقياً في كتب التاريخ، خاصة أن القراءة العربية ما تزال في أغلبها قراءة انطباعية، تأخذ السهل من الحكاية وتلقي بالعميق منها بعيداً عن الذهن، وحتى معظم أولئك الذين يقولون دائما بأنهم عشّاق للقراءة، ويعرفون مداخلها ومخارجها جيداً، أولئك حين تناقشهم في أيّ نص، تكتشف عدم تعمُّقهم، وأنهم يتبعون الخط العام للقراءة من دون زيادة أو نقصان.
من كل ذلك يَتَّضح في رأيي الشخصي أن الكاتب ملزم إبداعياً، أو احترافياً بوضع علامة مثل علامة (قف) في التقاطع الذي يحسّ بأنه ربما يتسبَّب في حادث ما، حادث ينتج من الانحراف بالقراءة بعيداً، ورواية مثل «توتُّرات القبطي» أو غيرها من الروايات التي اتّكأت على التاريخ كمادة لإنتاج نصوص معاصرة، فيها تلك الخيوط المبعثرة، وكانت في رأيي تحتاج إلى تلك العبارة الاستهلالية بلا شك، هنا فقط يتنبَّه القارئ إلى خطّ سيره، ولو صادفته أيّة تقاطعات مع خطوط أخرى ينتبه إلى أن الأمر لا يعدو نصاً خيالياً من ذهن الكاتب، لكن ليست وقائع بعينها حدثت في زمن مضى.
مشكلة الرواية التاريخية أو الرواية التي فيها عبق التاريخ، كما أقول دائماً ويقول زملاء لي كتبوها عن وعي مثل واسيني الأعرج، هي مسألة الالتباس ومسألة الخطر الذي يحدق بالنص ساعة كتابته وساعة قراءته معاً، ولا شكّ أن دراسات كثيرة وقراءات متعدِّدة يجب أن تسبق كتابة تلك النصوص، حتى تكسيها ثوبها المسالم الذي تخرج به.
عموماً، الرواية التي تتخيَّل التاريخ وتَتَّكئ عليه، فيها منه ومن الحياة الراهنة، ويجب تصنيفها، بأنها عمل إبداعي لا ينبغي أن يخضع لمقاييس الواقع المحدَّد بزمان ومكان معيَّنَيْن، وتجب قراءته كما هو، وفهم الرسالة التي يحملها.
________
*مجلة الدوحة

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *