في الطريق إلى الغابة: الحياة لا تحقق لنا كل الأماني




مهند النابلسي

خاص- ( ثقافات )


يبحث هذا الفيلم الموسيقي المرح مدى إمكانية تحقيق الأمنيات، وهو مشتق عن مسرحية غنائية شهيرة للكاتبين “رواية سوندهايم وكتابة لابين السينمائية”، ويتناول بتداخل حميم وشيق خمس قصص: سندريلا والأمير (أنا كيندريك وكريس باين)، ليلا كراوفورد الطفلة ذات الرداء الأحمر، وجوني ديب “البارع” بدورالذئب الماكر، جاك الصبي (جاك هوتيلستون) الذي يسعى لبيع بقرته البيضاء العجفاء بسوق البلدة، 

وهناك الجميلة المحبوسة “رابونزل” والعاشق الولهان (ماكينزي ماوزيوجاك جالينهال)، وكلهم مرتبطون بقصة الخباز وزوجته (جيمس كوردن وايميلي بلونت)، ورغبتهما بانشاء عائلة وولادة طفل، وعلاقتهما المأزومة مع الساحرة (أبدعت ميرل ستريب بتقمص هذا الدور) التي ركبت لهما تعويذة ملعونة أبدية…الفيلم من إخراج بوب مارشال، الذي سبق وأخرج التحفة الموسيقة الشهيرة “شيجاغو” (2002)، وعاد ليخرج فيلم “ناين” بالعام 2009 الفيلم يتطرق بأسلوب غنائي وعاطفي شيق لطريقة الفهم الطفولي لمواضيع الحب والحزن والتسامح والفراق!
يكمن مغزى هذا الشريط الموسيقي الفانتازي باكتفائنا بتحقيق “نصف التمنيات”، فالحياة قد لا تكون كريمة ومعطاءة كما تبدو، وقد تفاجئنا فتحقق لنا جزءا من أحلامنا (فقط) وتحرمنا من النهايات السعيدة “الساذجة”.. وعلينا كبشر أن نتعاضد حتى نكمل المشوار: فليلى الصبية البريئة تنجو بأعجوبة من بطش الذئب المفترس الماكر، والصبي الفقير يفقد أمه المحبة بعد ظهور “الغولة العملاقة”، والفران البائس المتيم بزوجته.
يفقدها في الغابة بعد أن يغويها الأمير الفاتن بالصدفة، ليعود ويحتفظ لوحده بالطفل الوليد، والأمير الولهان يفقد كذلك سندريلا بعد لقائهما الحميم، لأن متعة وغموض الانتظار تفوق “شبع اللقاء” (وهي تلخص سوء حظها بالقول: إن كنت تحبني فلما تهت؟!)، والجميلة المحبوسة ذات الجدائل الذهبية الطويلة تفقد فارس أحلامها الوسيم (لدينا فرصة واحدة )، ثم تلقاه بعد أن تشفيه دموع الحب من العمى الذي تسببت به الساحرة الحاقدة..وكذلك تفقد الثرية المتبجحة فرصة تزويج بناتها من الأمير بسبب الكذب والادعاء والزيف، وحتى الساحرة الجامحة تفقد سحرها أخيرا بعد أن تحقق رغباتها وشرورها… ولكنهم يتآزرون أخيرا لمواجهة عبث الأقدار والفقدان.
فلا مناص لهم من التعاضد بعد أن تظهرلهم الغولة (بشكل مفاجئ) وتحطم آمالهم وآمانيهم… أربع شروط “تعجيزية” تضعها الساحرة أمام الفران وزوجته لضمان نجاح الحمل: الرداء الأحمر، خف ذهبي، كمان وبقرة بيضاء قادرة على “أكل” هذه الأشياء لكي تدر حليبا يفك التعويذة ويعيد الساحرة لشبابها وجمالها، وتتداخل الأحداث والشخصيات، فالرداء الأحمر تملكه الصبية الصغيرة البريئة الذاهبة للغابة للقاء جدتها، والتي يلتقيها الذئب الماكر ويفترس جدتها أولا قبل ان ينقذها الفران بالصدفة (حيث يقول لها: ابقي طفلة طالما كان بوسعك أن تبقي طفلة!)، أما الخف الذهبي فتفقده سندريلا الهاربة خلسة من الحفل، ثم البقرة البيضاء العجفاء التي تملكها أم الصبي الفقيرة المعدمة، والتي تطلب منه الذهاب لسوق البلدة لكي يبيعها بالرغم من أنه يحبها ولا يريد أن يفرط بها، لكن الفران يستغفله ليأخذها مقابل “خمس” بذار سحرية!
الحياة كالغابة مليئة بالمفاجآت، ولا أحد قادر على حمايتنا بعد أن نخوض غمارها، وحيث لدينا فرصة واحدة فقط، وعلينا أن نحسن استخدامها، كما أن مغريات الغابة الكثيرة (مجاز يقصد به الحياة) يجب أن لا تجعلنا نتوه ونفقد أحباءنا، وعلينا أن نحذر دوما فهناك “غولة عملاقة” قد تظهر فجأة وتدمر معظم أحلامنا ومقاصدنا، أما الطفولة فهي أيقونة الحياة الغالية “ابقي طفلة، طالما بوسعك أن تبقي طفلة”!
أعتقد أن بوب مارشال يسعى دوما لإعادة الألق والإبهار للقصص والمسرحيات الغنائية، ويجعلك كمشاهد تأخذ الأمور على منحى الجد وتستنتج المغزى والمجاز، مستمتعا بالحوارات والمنولوجات البليغة والإيقاعية، كما يدخلك لفنتازيا مشهدية ساحرة وممتعة.

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *