مثقفون إيرانيون يرون في الاتفاق النووي … فرصة للسلام والحرية


خديجة حيدري

لم يكن الاتفاق النووي الذي أبرم بين إيران والاتحاد الأوروبي حدثاً سياسياً وشعبياً فحسب بل كان حدثاً ثقافياً أيضاً. فبُعيد توقيع هذا الاتفاق، راح مثقفون وكتاب وفنانون من مواقع مختلفة، يعلقون على الحدث ويحللون أبعاده، متسائلين عن الأثر الذي سيتركه في الثقافة الإيرانية التي تتوق إلى السلام والحرية.

«لا شك في أن ابتعاد بومة الحرب، وإلغاء العقوبات غير الإنسانية، يعتبران إنجازاً كبيراً على الصعيد الوطني، والإقليمي، والدولي، ولا يخالفه إلا الراغبون في إشعال نار الحرب، والذين لا يبدون اعتراضهم الشديد على هذا الاتفاق وحسب، بل على أي تفاهم من أجل السلام. فالنجاح في تفوق الديبلوماسية على الحلول العسكرية، واتفاق الرأي الدولي على إزاحة التحديات العسكرية، لا شك أنهما أمر مبارك.»
هكذا كتب الباحث وأستاذ علم الاجتماع «إحسان شريعتي» (نجل المفكر الشهيد علي شريعتي) في صفحته على الفايسبوك، معبراً عن سعادته بانتهاء المفاوضات النووية بنجاح وسلام.
فرحة الإيرانيين بالاتفاق النووي لم تنحصر في الشارع العام، وفي خروج الناس إلى الشوارع واحتفالهم بالأمر تعبيراً عن سعادتهم وحسب، بل شملت أوساطاً أخرى من المثقفين، والكتاب، والفنانين. وقد عبّر كل منهم خلال صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، أو في بعض الصحف التي خصصت بدورها صفحات وأعمدة لنشر مواقف كبار الناشطين في المجال الفكري والثقافي.
ذكرت المخرجة السينمائية مَنيجة حكمت أن ما يتوقعه اليوم وبعد الاتفاق، أهل الثقافة والفن في إيران هو السلام، والهدوء والحرية، وكتبت تقول: «إننا نطالب اليوم بالسلام. نطالب بالهدوء، ونريد أن نشاهد صورة شعبنا الحقيقية في الإعلام العالمي… أتمنى أن يتحسن قريباً الوجه المشوّه للشعب الإيراني على الشاشات التلفزيونية في العالم بأسره، وبمساعدة أصحاب الفن، والديبلوماسيين الواعين. لا يتحقق الأمن في هذا البلد، سوى بالمودة، وحب الإنسان لأخيه.»
أما الكاتبة مهسا محب علي، فعبرت عن أملها، وقلقها في الوقت نفسه. وذكرت النتائج السياسية التي تترتب على هذا الاتفاق ومنها أن إيران لن تكون مضطرة بعد الآن أن تحاول إثبات براءتها في العالم، بل ستسعى في سبيل توطيد علاقاتها مع الذين يتحدونها، ورفع خلافاتها مع المنافسين. أما بالنسبة لسعادة الشعب فهي ترجع السبب الرئيسي في ذلك إلى الاقتصاد، وتقول إن هذا السبب وحده يكفي لرضا الشعب عن الاتفاق النووي. وعلى الصعيد الثقافي كتبت محب علي أن الحكومة التي هي مدينة في استلامها الحكم للمثقفين إلى حد كبير، لن تجد بعد الاتفاق ذريعة للتملص من واجباتها الداخلية.
وفي نص قصير وظريف، كتبت المترجمة ليلي كُلِستان: «إننا عرفنا اليوم أن الذكاء، والعقل السليم، والمنطق، وحسن الأخلاق، والسلوك الحضاري، والصبر، والأمل، والديبلوماسية، حلول مجدية جداً. ولو كنت مكان السيد ظريف، لكنت أخذت حبة فاليوم 10، ونمت. طابت ليلتك، السيد ظريف.»
أما الموسيقي الإيراني الشهير كَيفان ساكت، فعبّر عن أمله في الحصول على النتائج الإيجابية لهذا الاتفاق في مجالات الحياة عامة، بما فيها الفن والثقافة، وقال إنه في حال وجود ظروف اقتصادية سيئة، فأول ما يحذف من سلة بضاعات العوائل هو البضاعة الثقافية، وتلك كارثة روحية كبيرة في تاريخ أي بلد. ورأى أنّ من الطبيعي أنْ تستغرق العودة إلى الأوضاع التي كنا نعيشها قبل عشر سنوات وقتاً أطول مما نتصور، غير أنها تشعل بريق الأمل في أذهان الناس، وتدفعهم نحو الأمل بالحياة والسلام.
وتحت عنوان «نقطة انعطاف تاريخية»، تطرق الباحث والناشط والمحلل السياسي صادق زيبا كلام إلى أهمية الاتفاق من الجهة الاقتصادية والسياسية، قائلاً: «أين تكون أهمية الاتفاق النووي إن لم يؤد إلى حدث كبير في اقتصادنا، والأوضاع السياسية والاجتماعية؟ ولماذا علينا أن نظن أن اليوم الرابع عشر من تموز عام 2015 سيكون نقطة انعطاف تاريخية في تاريخ الثورة الإسلامية الإيرانية؟ سيؤدي الاتفاق النووي دوراً ليس كما يفعل فيضان مدمّر، بل سيكون بمثابة سدّ أمام السلوكيات المتسمة بالتحدي إزاء بعض الدول الأجنبية التي لم تتغير المواقف تجاهها في بلادنا. الاتفاق النووي سيكون في الحقيقة نقطة انعطاف في عودة الرؤية المسالمة والمتسامحة نحو العالم على صعيد السياسة الخارجية لإيران. وبعد سنوات طويلة، سيكتب الباحثون في الشؤون الإيرانية، وأساتذة الجامعات أن الاتفاق النووي كان بداية للانتهاء من التحديات أمام الغرب، ومصالحة إيران مع المجتمع الدولي.»
ووفق رؤية الصحافي والباحث الاجتماعي والسياسي عباس عبدي فإن «هذا الاتفاق يعتبر اعترافاً ثنائياً من قبل كل من إيران، والنظام الدولي، وقد وقف كل من الطرفين في المكان المناسب، واتفقا بدل المواجهة العسكرية.» وكما عنون نصه بـ «العصر الجديد»، اعتبر المرحلة المقبلة بعد هذا الاتفاق «عصراً جديداً من التعامل، سنشاهد آثاره على المدى المتوسط والطويل في الحد من المشاكل، وعدم الاستقرار في المنطقة، والعلاقات الثنائية بين الطرفين». وأكد أن ما هو أشد خطورة من العقوبات وحتى من الحرب، هو مصدرهما، أي فقدان التفاهم السياسي، «وعلينا اليوم أن نضع على رأس جدول أعمال كل الأركان، الوصول إلى تفاهم عميق ودائم على صعيد السياسات الداخلية».
الحياة

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *