الحفل


*فتحي نصيب

خاص- ( ثقافات )

سيدي
لا أعرف من أين ابدأ ؟ ولكن الخطأ خطئي ، فما كان يجدر بي اصطحاب ابني معي ، إنما كان هدفي أن يدخل ولدي البهجة على ابنتكم الكريمة ،وأن يشاركها فرحتها ببلوغها عامها السابع . كنت اعتقد أن الأطفال يتحلون بالبراءة والطيبة إلا أن ولدي اثبت أن رؤيتي كانت خاطئة . فلم يدر بخلدي – على الإطلاق – أنه سوف يعكر صفو احتفال ابنتكم على هذا النحو. بالفعل لم يكن ولدي مهذبا ولا في مستوى سلوك ابنتكم الراقي ،تصور أن هذا الفأر – كما تلقبه أمه – قال لي بعد أن أشبعته ضربا أن ابنتكم الكريمة تعمدت أهانته أمام أصحابها ، أليس هذا تفكيرا ساذجا ومضحكا؟ من أين له ابن إل (….) أن يعرف معنى الإهانة والكرامة وفي مثل هذا العمر ؟ شرحت له إن ابنتكم الكريمة تمزح معه ، وأنها طفلة مهذبة – صانها الله ورعاها – ولكنه كتم عبراته ولاذ بالصمت موجها إلي نظرة حادة ومتحدية عبر دمعتين متحجرتين في عينيه الخبيثتين .
لقد اجتهدت أن اعلم ولدي الرضا، وغنيت على رأسه مرارا أن القناعة – كما لايخفى عليكم – كنز لا يفنى ، وألا ينظر لمن هم في الأعلى بل يتمعن في من هم تحت ، عندها سيكون راضيا بما قسمه الله لنا ، وسيعيش سعيدا طوال حياته في الدنيا والآخرة. وولدي – والحق يقال – صبور ومجتهد في دراسته ويعمل كالبغل ، فهو يمضي العام بحذاء واحد ،ويرتدي كنزة صوفية الشتاء بطوله ، ينهي فروضه المدرسية ويخرج للعب مع أقرانه في الشارع ، ويبدو أن سبب مصائبي في هذا الولد من تأثير الشارع واحتكاكه بالأولاد غير المهذبين لذلك قررت منذ اليوم أن امنعه من الاختلاط بهم وإلا – بالله عليك – كيف أفسر كلامه حين قال لي أن ابنتكم الكريمة رمت بهديته في كيس القمامة أمام جميع أصحابها ، وانه شعر بالغضب من تصرفها غير اللائق – لاسمح الله – وتصور معي خيال الأطفال عندما يجنح نحو البعيد ، حين قال إنها تعمدت أهانته واتخاذه وسيلة للتسلية أمام أصحابها ، أفهمته بعد أن قرصت إذنيه إنها لاتهينه ولكنها طفلة بريئة وقلبها أصفى من بياض الثلج وفي رقة الفراشات ، وذات أخلاق رفيعة وتربية راقية ، وإنها قصدت أن تدخل البهجة على أصحابها وصويحباتها ، وهذه هي الحقيقة فقد اخبرني إن أصحابها انفجروا بالضحك من تصرفها إزاء هديته . قلت له: إنها لاتهدف – إطلاقا – للسخرية منك أيها المغفل ولقد صدقت أمك حين تصفك بالفار . وسبب هذا اللقب – سيدي الكريم – أن ولدي يحب كل أنواع الجبن ، ونتيجة لارتفاع أسعارها فقد كنت اجلب نوعا واحدا فقط هو ( البقرة الضاحكة ) على أمل أن يتعلم الحكمة من وراء سعادة هذه البقرة التي تدر الحليب ويستمتع بجبنها ملايين الأطفال في العالم ،ولكن ولدي كره هذا النوع من الجبن ، ويطلب مني ذلك النوع الممتلئ بالفراغات ، الذي يظهر في مسلسل الرسوم الهزلية ( توم اند جيري ) ، قصدت من هذه الحكاية أن اريك كيف يفكر ويتصرف أبناء هذا الجيل ،فهو يريد كل ما يراه ، ولا يقنع بما قسمه الله ، وكم أفهمته أن يرضى بحاله وان يسير بجانب الحائط وان يغلق عينيه وإذنيه وفمه ، ولكن بعد تصرفه غير اللائق مع ابنتكم الكريمة سوف أغير أسلوب التربية معه .
سيدي..
اعرف أنكم تتحلون بقلب نبيل ، وتعرفون أنني أخدمكم منذ عشرين عاما ، لذلك آمل ألا تتأثر علاقتنا بتصرف سخيف من ولدي ، هم أطفال وسينسون سؤ الفهم البسيط هذا ، المهم عندي أن أظل أخدمكم بإخلاص واعدك أن اربي هذا الصبي ليصبح مهذبا ، وألا يبالغ في تفسير التصرفات وخاصة من الأسر الكريمة مثل أسرتكم .
تقبلوا تحياتي .
______
* قاص من ليبيا

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *