*غيث خوري
دييغوا ريفيرا وفريدا كاهلو من أشهر الفنانين العالميين جمع بينهما الحب والزواج، كانت علاقتهما عاطفية وعاصفة، مملوءة بالحب العظيم والخيانات، كلاهما امتلك موهبة فذة ورؤية فنية مذهلة، فكانت أعمال دييغوا أكثر جماهيرية وبروزاً، في حين أن أعمال فريدة كانت أكثر شخصية وحميمية. نشأت فريدا في أحد ضواحي كويوكان بالمكسيك، وأصيبت في السادسة من عمرها بشلل الأطفال، وأثر ذلك في ساقها اليمني وترك عوجاً فيها ما أثر في حالتها النفسية، وكانت ترتدي الجوارب الصوفية صيفاً مع الفستان لتخفي إعاقتها.
لم تتوقف معاناة كاهلو عند الإصابة بالشلل، حيث تعرضت عام 1925 لحادث سير اضطرها للبقاء نائمة على ظهرها سنة كاملة من دون حركة، وقامت والدتها على راحتها خلال هذه الفترة، كان هذا الحادث مصدر إلهام كاهلو، التي لم تستسلم للمرض وطالبت والدتها باحضار ريشة وألوان وأوراق للرسم، وكانت تنقل صورتها يومياً، ومن هنا ظهر شغفها بالرسم، لم تدرس فريدا الرسم أكاديمياً ولكنها كانت تتلقى دروساً خصوصية على يد أحد الأساتذة، وتعرفت إلى رسامين آخرين ساعدوها، كان أهمهم على الإطلاق دييغو ريفيرا، أشهر رسام في ذلك الوقت، وفي عام 1929 تزوجت فريدا كاهلو منه، وكان يكبرها ب20 عاماً.
مرّت فريدا مع دييغو بالعديد من الفترات غير المستقرّة بسبب خيانات ريفيرا المستمرة، إضافة إلى مشكلاتها النّفسيّة والجسديّة، مّا أدّى إلى انفصالهما، لكنّهما عادا إلى بعضهما بعضاً مرّةً أخرى عندما وجدت نفسها تعاني في حياتها بمفردها. فقد كانا زوجين منصهرين جمعتهما قصّة حُب وغضب وضوضاء تخلّلتها فراقات ولقاءات.
وفي حين اتجهت أعمال ريفيرا إلى الخارج لتعبر عن القضايا العالمية، اتجهت أعمال فريدا إلى ذاتها لتعبر بشكل فني مكثف عن الحالات الداخلية التي تمر بها نتيجة الآلام الجسدية التي سببت لها المعاناة طوال حياتها.
تأثر دييغوا فنياً بالمدرسة ما بعد الانطباعية والمدرسة التكعيبية وأصبح مفتوناً بأعمال بيكاسو التكعيبية، وفي عام 1920 ذهب إلى إيطاليا لدراسة الفن في عصر النهضة، وبعد عودته إلى المكسيك قرر ريفيرا أن رسوماته يجب أن تعبر عن معاناة أبناء المكسيك.
ورغم أنّ النّقّاد يصنّفون أعمال فريدا ضمن الاتّجاه السرياليّ، إّلا أنها تقول: «لا أرسم أبداً أحلاماً، بل أرسم واقعي الحقيقيّ فقط». هذا الواقع الذي يمكن رؤيته مجسّداً في ملامح وجهها وفي جسدها المقيّد المثخن بالجراح التي يعكس ظاهرها الباطن، وفي حاجبيها المقرونين كأنّهما غرابٌ ينعى تلك النّظرات، وشفتيها المنقبضتين المعبّرتين عن مأساتها وتحمّلها لآلامٍ شديدةٍ تمزّق جسدها عاكسةً نظرتها إلى نفسها وإلى الحياة. فكان الرسم المتنفّس الوحيد لآلامها وعذاباتها وقدرها التّعيس. فأبدعت لوحاتٍ قابلةً للفهم غير مستعصية الإدراك للمشاهد البسيط، مع الكثير من التّوثيقيّة والتقريريّة. حيث تقول: «أرسم واقعي، وأرسم نفسي لأنّها الشّخص الذي أعرفه معرفةً تامّةً. الشّيء الوحيد الذي أعرفه أنني أرسم لأنّني بحاجة إلى ذلك، وأرسم كلّ مايجول في رأسي من دون أيّة اعتبارات أخرى.. لست مريضةً، بل أشعر بالانكسار، لكنّني سعيدةٌ طالما أستطيع الرّسم».
كانت طبيعة الموضوعات الغالبة على رسومات فريدا كاهلو هي «فريدا» نفسها، فمن بين 150 لوحة معروفة لها كان هناك 55 لوحة عبارة عن بورتريهات شخصية لها، جسدت فيها ما تشعر به من ألم الجسد والروح، وتمثّل رصداً لكل ما مرت به في حياتها من أحداث، مثل الخيانة الزوجية واضطراب العواطف.
خلال السّنة الأخيرة من حياتها بُتِرت رجلها اليمنى حتّى الرّكبة. وتوفّيت في 13 يوليو/تمّوز 1954 عن سنٍّ تناهز 47 سنة نتيجة انصمامٍ رئويٍّ، تاركةً ملحوظةً في جوارها تقول: «أرجو أن يكون خروجي من هذه الحياة ممتعاً، وأرجو ألا أعود إليها ثانيةً».
لم تقاوم كاهلو التجربة المريرة مع المرض والمصائب الصحية التي تعرضت لها إلا بالريشة، تلك الريشة التي دونت آلام روحها وآلام جسدها وأحزانه من الساق المعوقة والمشوهة إلى ذلك العمود الفقري المهشم إثر حادث الحافلة الذي تعرضت له.
كتب دييغو ريفيرا لاحقاً في سيرته الذّاتيّة، أنّ اليوم الذي ماتت فيه فريدا كان أكثر الأيّام مأساويّةً في حياته، مضيفاً أنّه اكتشف متأخّراً أنّ الجزء الأفضل من حياته كان حبّه لها.
_______
*الخليج