علماني.. والعياذُ بالله!

( ثقافات )

علماني.. والعياذُ بالله!

*أيمن عبد الرسول

أفتى شيخنا وقد كنت صبيًّا أن العلمانية كفر صريح، وأن من يقرأ لعلماني لا يتقبل منه الله عمل أربعين يومًا، وأن العلمانية تتمثل -كما أوضح فضيلته- في رفض الدين، وحصاره داخل دور العبادة، وأنها أيضًا ضد كل الأديان، نافيًا في الوقت نفسه أن يجتمع الإسلام والعلمانية في قلب مسلم.

كنت وقتها كائنًا إسلاميًّا جدًّا، أواظب على الصلوات في مواقيتها، وفي جماعتها بمسجدنا الصغير على شط الرشاح -سابقًا- عمر المختار -حاليًا- بل وبلغ بي الإسلام شأوًا عظيمًا، إذ شرفت بخطبة الجمعة والصلاة بالناس إمامًا، ولم يتجاوز سني وقتها الثامنة عشرة من العمر، وكنت منتميًا لمدرسة المرحوم الشيخ عبد الحميد كشك، في التهيُّج السياسي، وأتحيَّن الفرص لإلقاء خطبة دينية ذات نكهة سياسية.

إلى أن سار بي الزمان اللئيم إلى يسار الشطط، وقد تبيَّنت في محنتي أن شر الأمور الوسط، وأصبحت كائنًا لا إسلاميًّا، ولا مدنيًّا، عوانًا بين ذلك، أبحث عن أسئلة لا تلقى الإجابات، ولا تسر المسؤولين!!

عرفت أن الجهل بهذه المصطلحات، أودى بكثيرين وأنه في عشرينيات القرن العشرين، رشح أستاذ الجيل – وقتها- أحمد لطفي السيد نفسه لانتخابات مجلس الشيوخ -تقريبًا- وتفتق ذهن منافسه عن حيلة قوية لضربه في مقتل، وأشاع بخبث فلاحي، أن الأستاذ، والعياذ بالله ديمقراطي، ويقول للناس: إذا كنتم تريدون ترك الإسلام، واعتناق الديمقراطية فانتخبوه، وكان الأستاذ وقتها غائبًا في القاهرة.

إلى أن حضر إلى قريته، وفي سرادق أعد لانتخابه، كانت كل الأسئلة تدور حول معنى واحد، هل أنت – والعياذ بالله- ديمقراطي؟!

وكانت إجابة الأستاذ واضحة صريحة: نعم، أنا ديمقراطي وسأظل مؤمنًا بالديمقراطية طول حياتي!!

وكانت النتيجة، احتراق سرادق الانتخاب، وتأمين الترشيح الذي لم يسترد.

وبقيت الحادثة، نادرة نتندر بها على الجهل بالمصطلحات السياسية، والخلط بين الشيعة والفرقة الإسلامية والشيوعية – المذهب الفلسفي الاقتصادي – أو الاشتراكية والمشركون -الكفار يعني- وبعد رحلة مع اليسار، وصلت إلى أن الليبرالية هي الحل، والليبرالية لمن لا يعرف، ليست عيبًا، ولا حرامًا، ربما لم تصدر فتوى تكفير لمعتنقها بعد، وإنما هي الإيمان بالحرية الفردية، والتغيير التدريجي، واستخدام آليات الديمقراطية في التغيير السياسي، إلا أنها أيضًا مذهب الحريات الفردية في مقابل الديمقراطية بصفتها مذهب إعلاء رأي المجموع على رأي الفرد، وفي النهاية تحت مظلة العلمانية، التي لا تعني الكفر والإلحاد قدر ما تعني احترام كل العقائد، وكل الأديان، وتقف فقط في وجه دعاة التعصُّب الديني، والتطرُّف لأي دين، وتطالب بفصل الدين فعلاً عن السياسة، لأن السياسة فن الممكن، ومن الممكن أن نلعب بورقة الدين للحصول على امتياز سياسي، كما يفعل دعاة الإسلام السياسي، بينما الدين ليس فنًّا، إنه عبادة، ومعاملات، وأخلاقيات عقيدة أيًّا كانت وشريعة كيفما تكون فكيف يجتمع الدين -أي دين- مع السياسة -أية سياسة- ولا ينتج وعيًا طائفيًّا.

إن العلمانية بوصفها سياقًا عامًّا شاملاً يرفض الخرافة، ويدعم العقلانية، يرفض التعصب لدين أو عرق أو لون، أو جنس ويدعم التسامح وقبول الآخر، تصبح حماية الدين من الاستغلال السياسي، وأعود إلى مسيرتي الشخصية، التي حطَّت رحال أفكارها على شواطئ الليبرالية والعلمانية، لأقول إن للدين – أي دين- ربًّا – أي رب- يحميه، ولكنَّ للوطن -أي وطن- شعبًا -أي شعب- يحميه.

فهل ثمة تعارض بين الدين والوطن؟

نعم فالوطن يتسع لكل الأديان، أما الدين فلا يتسامح مع الآخر المختلف معه ولا يعترف به الوطن يحتمل أن يحكمه شعبه، لكن الدين لا يحتمل إلا أن يحكمه ربه ويتبعه معتنقوه الوطن يتسع لتيارات سياسية متعارضة، ويحكمه رأي الأغلبية من أبناء -أو هكذا ندعي- بينما الدين، لا يتسع لفرق دينية مختلفة، وإن ادعت الحديث باسمه.

فصل الدين عن السياسة مكسب للدين حتى يكون بمنأى عن هوى السياسيين، ومأمن من ألاعيب الدهانات السياسية، والعلمنة ليست عقيدة، ولا دينًا، ولكنها منهج فلسفي يعتمد على العقل والتجريب، والحرية.

فهل ما زلت تشك في أن العلمانية ضد الدين؟!

إذا كنت تشك فتأكد أن دعاة التديُّن هم الذين يقفون ضد العلمانية، لأنهم يظنون أن الدين هُم، وأنَّهُم الدين!!

وختامًا:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة في “البلالة” ينعم!

و: ألا ليت اللحى كانت حشيشًا

فنعلفها خيول المسلمينا!

_________

 

* كاتب صحفي مصري وباحث في الإسلاميات.. توفي في الرابع عشر من أغسطس 2012، إثر جلطة في المخ، عن عمر يناهز 37 عاما. 

ترك كتابين منشورين “في نقد الإسلام الوضعي”، و”في نقد المثقف والسلطة والإرهاب”.. 

وله عديد من المقالات والكتب غير المنشورة..

يعيد موقع ثقافات نشر مقالاته، ويتيح نسخة من كتاب “في نقد الإسلام الوضعي” بصيغة pdf.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *