* مهند النابلسي
خاص- ( ثقافات )
الرؤيا الخلاقة والقصة الحقيقية الصارخة لمأساة فلسطين كما لم يكتبها أحد من قبل !
أقاويل وحكم وحوارات وهواجس والتباسات صريحة ومعبرة و صادمة، مع توصيف تاريخي واقعي نادر لأحداث النكبة وتداعياتها المريرة …
أقتبس فيما يلي فقرات وجمل وتعابير من الرواية وبلا تعليق :
*. صرنا نجمع مفاتيح أهل الاندلس . قال إن أحفاد أهل الأندلس الذين طردوا من بلادهم وهاجروا إلى مكناس ، ما يزالون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم الأندلسية ، وأنه يجمع المفاتيح ، وسيقيم لها معرضا ، ويكتب عنها كتابا .
*. طويتك إلى قطعتين وحملتك على كتفي ، رأسك من ناحية ، وقدماك من ناحية أخرى ، وبطنك على كتفي ، وكنت ثقيل الوزن مرتجفا . يا لطيف كيف يثمل الإنسان حيث يموت او يقترب من الموت ، كأن الروح وسيلة لمقاومة جاذبية الأرض ، وروحك كان خرج نصفها من جسدك .
*. جلبت لك اللوحة ، وقلت ان اسم الله بالحرف الكوني يبقى مهما تغيرت الظروف والأحوال ، الصور والملصقات كانت مؤقتة ، لكن اسم الجلالة لن يتزحزح من مكانه ، وسيبقى عالقا في عيوننا إلى الأبد .
*. أنت لا تحب كلمة أبد . كنت تقول ” ما اصغر عقل اليهود ، ما هذا الشعار السخيف الذي يرفعونه ، القدس عاصمة ابدية لدولة اسرائيل . كل واحد يتكلم عن الأبدية يخرج من التاريخ ، فالأبد ضد التاريخ ، لا وجود لشيء أبدي ، حتى الآلهة اكلناها ، نحن العرب، صنعنا في جاهليتنا آلهة من تمر وأكلناها ، لأن الجوع اهم من الأبد ، والان يأتون ويقولون ان القدس عاصمة أبدية ، شو هالحكي الخرا ، كلام تافه . وهذا يعني انهم بدأوا يصيرون مثلنا ، أي قابلين للهزائم ” .
*. قلت اننا لن نهزمهم ، بل علينا مساعدتهم على هزيمة انفسهم ، لا احد ينهزم من الخارج ، كل هزيمة داخلية ، وهم منذ أن بدأوا برفع شعارات الأبد وقعوا في دوامة الهزيمة ، وعلينا مساعدتهم …وكأنك لم تقل لي كيف نساعدهم . فنحن حتى الان لم نساعد الا انفسنا على الهزيمة وفرشنا للاسرائييين أرضنا بدمنا ، كي يمشوا عليها منتصرين .
*. ماهذا الزمن ؟ “رضينا بالخرا والخرا لم يرضى بنا” !
*. لن اقدم لك تحليلا لحرب اللبنان ، لكنها أرعبتني ! أرعبني ان ينفجر بطن المدينة ، وتخرج مصارينها ، وتتحول الشوارع علامات للأشلاء الاجتماعية المفككة . كل شيء تفكك خلال سنوات الحرب الأهلية ، حتى أنا ، انا نفسي انقسمت إلى عدد لا يحصى من الأشخاص . فقد كنا نغير خطابنا السياسي وتحالفنا كل يوم …
*. …سمعت الحكايات التي سمعها جميع أطفال المخيم ، لكني لم أفهم . هل تعتقد انه يكفي ان تقولوا لنا اننا لم ننهزم عام 1948 ، لأننا لم نحارب ، كي نقتنع بحياة الكلاب التي نعبشها منذ ولادتنا .
*. حتى الكذب نحن عاجزون عنه . عاجزون عن الحرب ، وعاجزون عن الكذب ، وعاجزون عن الحقيقة !
*. “تدحرج الجليل كله بين خطتي “ديكل وحيرام” ، ونحن لم نكن ندري “
*. قلت انك بعد “سقوط شعب” فهمت معنى كلمة وطن . فالوطن ليس البرتقال ولا الزيتون ولا جامع الجزار في عكا . الوطن هو ان تسقط في الهاوية ، تشعر أنك جزء من كل ، وتموت لأنه مات . ففي تلك القرى المنحدرة إلى البحر ، من شمالي الجليل إلى غربه ، لم يتصور أحد معنى سقوط كل شيء . كانت القرى تتساقط ، وكنا نركض من قرية إلى قرية كأننا في البحر … نقفز من زورق إلى زورق ، والزوارق تغرق ونحن نغرق .
*. فلسطين كانت المدن ، حيفا ويافا والقدس وعكا . هناك كنا نشعر بوجود شيء اسمه فلسطين ، أما القرى فكانت كا……
لكن المدن انهارت بسرعة واكتشفنا أننا لا نعرف أين نحن ؟ الحقيقة ان الذين احتلوا فلسطين جعلونا نكتشف الوطن حين فقدناه . لا ! الذنب ليس ذنب الجيوش العربية وجيش الانقاذ ، كلنا مذنبون ، لأننا لم نكن نعرف ، وحين عرفنا كان كل شيء قد انتهى . عرفنا من النهاية !
*. فالجيش الذي أسموه جيش الانقاذ لم يحارب ، أما الجيوش العربية فدخلت فلسطين كي تحمي الحدود التي رسموها لها ، وتركونا وحدنا !
*. …أسميناه الملازم مهدي الدجاج ، وكنا نعطيه النقود ، لشو الدجاج ؟ فليأكلوا ، صحتين على قلوبهم ، المهم أن تبقى القرية ، قرية بلا دجاج ، أفضل من دجاج بلا قرية ، لكن الدجاج لم ينفع يا ابنتي ، فحين هجم اليهود لم يحارب ملازم الدجاج !
*. هربنا …والجيش لم يطلق رصاصة واحدة : لا أوامر ! سقطت القرية وتركنا كل شيء وراءنا ، حتى الدجاجات لم يفعل جيش الانقاذ شيئا لانقاذها .
*. حين سمع الأمر الأخير بالانسحاب ، قال ” تفو على العرب “! وسحب مسدسه ، وأطلق النار على رأسه ، ومات .
*. كانوا كالمجانين ، ينسفون البيوت ويقومون بحرقها ، ويدعسون القمح ، ويقطعون اشجار الزيتون بالديناميت ، لا أعرف لماذا يكرهون الزيتون …صحيح ، لماذا يكرهون الزيتون ؟
*. …فالعرق كان يغطي عيوننا ، وكنا نكاد لا نرى ، فالإنسان حين يخاف يتعرق جسمه بشكل غريب ، كان العرق يتساقط على عيوننا ..
*. …والجدة هي سبب البلاء ” فقد حولت أبي حجرا ، حولته من رجل إلى حجر وقتلته ، قتلت في داخله كل شيء ، مثل كل الأمهات ، يقتلن أبناءهن وهن يدعين الحب …الذي عشت معه ، كان مرميا في بيتنا مثل حجر ! “.
*. …كنت أريد أن اقول له أن لا يذهب ، لكني لم أجرؤ ، هل يمكن أن تقول لانسان أن يترك أمه ؟.
*. …فهي لا تؤمن بإمكانية عودتنا إلى فلسطين ” وإذا عدنا فلن نجد فلسطين ، بل سنجد بلدا آخر …لماذا نقاتل ونموت ؟! نقاتل من أجل شيء فنجد أنفسنا في شيء آخر ! الأفضل أن نتزوج ونهاجر ” .
*. هل تعرف معنى هذا الشعور ، أن تسافر ولا تجد أحدا في وداعك ؟
*. رجعت إلى عين الزيتون ، لتجد القرية مهدمة . كنت في تلك الأثناء مع أبو اسعاف ، في مهمة لنقل السلاح إلى الجليل من سوريا . لا اريد أن أستمع الان إلى الحكايات التي رواها بحثا عن السلاح ، وكيف كان العقيد صفوت يتخرين عليكم ، ويقول إنكم لستم جيشا نظاميا ، وأنه ليس على استعداد لرمي السلاح القليل الذي يملكه بين أيدي الفلاحين المعروفين بجبنهم ومكرهم .
*. ” فالقمر لا يكتمل إلا يوما واحدا في الشهر ، أما في باقي الأيام ، فهو إما يكبر أو يصغر . هكذا الحياة : فالاستقرار هو الاستثناء ، والتغير هو القاعدة”.
*. …والجيوش العربية التي دخلت فلسطين عام 1948 كانت تنهزم بسرعة قياسية أمام الجيش الاسرائيلي الأكثر عددا والأفضل تسليحا ! والله لا احد يصدق ! ستمئة ألف إسرائيلي ، حشدوا جيشا يفوق عدده سبعة جيوش عربية مجتمعة !.
*. …وكالعادة لن أقتنع بفشلي ، وسأدعي النجاح ، أو أضع اللوم على الآخرين …كلنا يكذب ، يعني غير معقول ، تخيل لو كان الموت عقاب الكذب ، لما بقي أحد حيا على وجه الكرة الأرضية …
*. الكتابة يا سيدي هو الالتباس ، قل لي من يعرف أن يكتب التباسات الحياة ؟ إنها حالة بين الموت والحياة ، لا يجرؤ أحد على دخولها . وأنا أيضا ، لن أجرؤ على دخول هذه الحالة ، فقط كي اقول إنني ككل الأطباء والفاشلين تحولت كاتبا ! هل تعرف لماذا كتب تشيخوف ؟ لأنه طبيب فاشل !.
________
وبعد لم أشعر وأنا اعيد قراءة هذه الرواية الرائعة بضرورة التعقيب ، فهي تكاد تدخل لدهاليز عقلك ومكنونات نفسك وتعبر بصراحة صادمة عن كل ما يمكن أن يرد بخاطرك ، مؤرخة الوقائع التاريخية الكارثية بأسلوب فريد ساخر ومحزن ومؤثر ، وبتلقائية وبلا تصنع وتجميل واستعراض روائي …والسؤال المنطقي بعد مضي أكثر من ستة عقود على النكبة الفلسطينية ، فهل نحن (كفلسطينيين وعرب) الآن أحسن حالا ووطنية وانتماء ووعيا وتماسكا وتفاهما وانسجاما ؟ والجواب هو ما نراه من مشاهد مرعبة تعم حالتنا العربية “الإسلامية” الراهنة ، وكأننا نعود لندخل ( مع بدايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ) نفقا “قروسطيا” جديدا حافلا بالخلافات والانقسامات (الجهوية والطائفية والاقليمية ) والتي قادت وتقود لصدامات دموية فتاكة ومدمرة ، وبلا تباشير للضوء والأمل والمستقبل الواعد …والشيء المرعب الذي تطور في حالتنا العربية والإسلامية الراهنة يكمن في فقداننا للبوصلة التاريخية ، فلم تعد إسرائيل عدونا التاريخي وإنما تحولنا أعداء لبعضنا…فيا عقلاء وحكماء العرب اتحدوا ، فالتاريخ لن يرحمنا.