أعلام من مصر: الشيخ مصطفى عبد الرازق


*إعداد: آمال الديب

خاص- ( ثقافات )

هو مصطفى حسن أحمد محمد عبد الرازق، ولد في عام 1304 هـ- 1885م بقرية أبو جرج بمحافظة المنيا، وهو الابن الرابع لحسن باشا عبد الرازق، توفي في 24 ربيع الأول 1366هـ- 15 فبراير 1947م، ليكون بذلك الشيخ السادس والثلاثين للجامع الأزهر على المذهب الشافعي وعلى مذهب أهل السنة.
بداياته: 
نشأ في قرية “أبو جرج” بمحافظة المنيا، قضى طفولته بها، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وعمره ما بين العاشرة والحادية عشرة، ثم انتقل وهو في سن العاشرة إلى القاهرة، والتحق بالأزهر ليدرس العلوم الشرعية واللغوية، فدرس الفقه الشافعي، والبلاغة، والمنطق، والأدب، والتفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصوله، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والتاريخ، والسيرة النبوية، على يد كبار مشايخ عصره ودرس على يد كبار علمائه. 
واصل دراسته في الأزهر الشريف بتشجيع من والده الذي كان يتدارس معه العلوم في أثناء الإجازات الدراسية، كتب الآداب ودواوين من الشعر، ونمت موهبته وثقافاته فقرر إنشاء صحيفة عائلية مع إخوته وأقاربه، ثم أنشأ “جمعية غرس الفضائل” مع شباب أسرته أيضاً، وكانوا يتناوبون فيها الخطابة في مساء الجمعة من كل أسبوع، وكان هو أمين سر الجمعية، واستمرت هذه الجمعية من عام 1900 إلى عام 1905م، ومع ظهور الصحف العامة بدأ في نشر مقالاته الأدبية والقصائد بها، ثم انصرف عن الشعر إلى الدراسات الأدبية، وبدأ في التردد على دروس «الإمام محمد عبده» في عام ١٩٠٣م في الرواق العباسي الذي يعد من شيوخه الأوائل، فأصبح من خواص تلاميذه، وتأثر به وبمنهجه وأفكاره الإصلاحية.
وكان الشيخ الإمام محمد عبده يباشر وقتها الدعوة الاجتماعية، ويقود الحركة الإصلاحية، فلقي استجابة عامة من المثقفين والأزهريين ونقدًا من بعض علماء الأزهر.
سنة 1908 تخرج في الأزهر، ونال شهادة العالمية في الفلسفة الإسلامية، وبعد شهرين انتدب للتدريس بمدرسة القضاء الشرعي، وظهرت اتجاهات عدة في الأزهر تطالب بإصلاح مناهجه، وتكونت جمعية «تضامن العلماء»، وكان الشيخ مصطفى في مقدمة أعضائها، واختير عضواً بالجمعية الأزهرية التي أنشأها محمد عبده، وأصبح رئيساً لها، ثم عين موظفاً في المجلس الأعلى للأزهر ومفتشاً بالمحاكم الشرعية.
سافر إلى فرنسا لدراسة اللغة الفرنسية والفلسفة في جامعة السوربون، وحضر دروس العالم الفرنسي «دور كايم» في علم الاجتماع، كما درس الأدب وتاريخ الفلسفة، ثم انتدب ليتولى تدريس اللغة العربية في كلية «ليون»، وأعد رسالة الدكتوراه تحت عنوان «الإمام الشافعي أكبر مشرعي الإسلام»، وتعاون مع «برنارد ميشيل» في ترجمة كتاب العقيدة الإسلامية إلى اللغة الفرنسية ورسالة التوحيد لمحمد عبده.
وعندما قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914م عاد مع كثير من زملائه إلى مصر، وفي سنة 1915 عُيِّنَ سكرتيرا بجامعة الأزهر، بأمرٍ من السلطان حسين كامل وترجم خلال تلك الفترة كتاب (طيف خيل ملكي) للأميرة قدرية بنت السلطان حسين كامل إلى العربية، وفي أثناء عمله بالمجلس الأعلى للأزهر أصبح بيته منتدى يؤمه رجال الفكر والثقافة وعلماء الدين، يتباحثون في شتى العلوم ثم سكرتيراً عاماً للمجلس الأعلى للأزهر، ثم رئيساً للمجلس، ثم قدم استقالته منه بعد إبعاده من الأزهر خوفاً من أفكاره السياسية والاجتماعية، بسبب مواقفه السياسية المناصرة للحركة الوطنية التي كان يقودها آنذاك سعد زغلول فعين مفتشاً بالمحاكم الشرعية كإجراء تأديبي، لكنه استثمر هذه الفترة في الكتابة والبحث والترجمة، والمعرفة، فكان يعقد الندوات في بيته ويتوافد عليه أهل العلم والثقافة والفقه والفلسفة من كل مكان. 
في سنة 1916م انتخب عضوًا في (الجمعية الخيرية الإسلامية)، ثم وكيلاً لها سنة 1920م، ثم رئيسًا لها سنة 1946م حتى وفاته، وانضم إلى حزب (الأحرار الدستوريين) خلال تلك الفترة، وفي عام 1346هـ- 1927م عين أستاذاً مساعداً للفلسفة الإسلامية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً)، واختير أستاذًا للفلسفة بجامعة القاهرة سنة 1935م، ونال رتبة الباكوية سنة 1937م، ثم أصبح أستاذ كرسي في الفلسفة، وتولى الشيخ مصطفى عبد الرازق وزارة الأوقاف ثماني مرات، وكان أول أزهري يتولاها، وظل متمسكاً بارتدائه الزي الأزهري حتى وفاته، وكانت الأولى في عام 1938م حتى 1942م، وفي أثناء عمله وزيرًا عُيِّنَ عضوًا بالمجمع اللغوي سنة 1940م، وفي سنة 1941م نال رتبة الباشوية، وتنازل عنها عندما تولى مشيخة الأزهر وظل وزيرًا للأوقاف حتى تم تعيينه شيخاً للأزهر عام 1945م، وتم اختياره أميرًا للحج في أكتوبر سنة 1946م، ولبث في رحلته 40 يوماً، ثم عاد ليتفرغ لاستئناف وجوه الإصلاح في الأزهر، وفي 15 فبراير سنة 1947م حضر إلى مكتبه بالأزهر فرأس جلسة المجلس الأعلى للأزهر، ثم عاد إلى بيته فتناول طعامه، ونام قليلاً ثم استيقظ فتوضَّأ وصلَّى، ثم شعر بإعياءٍ شديدٍ، فتم استدعاء الطبيب، ولكنه توفي في: 24 ربيع الأول 1366هـ- 15 فبراير 1947م.
مجلة السفور
في أواخر سنة 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر وعزلت الخديوي عباس الثاني ونصَّبت مكانه الأمير حسن كامل ابن الخديوي إسماعيل بلقب سلطان مصر، في ذلك الوقت كان حزب الأمة يصدر صحيفة يومية هي “الجريدة” لكنها وُقِفت، فحاول مصطفى عبد الرازق وزملاؤه المساعدة لاستعادة صدورها، ولكنهم أخفقوا، فأصدروا من 21 مايو 1915 مجلة “السفور”، فكانت المجلة التي يعبرون فيها عن أفكارهم وأحاسيسهم، واستطاعت مقالاتهم أن تصنع صداها في مصر لكن اسم المجلة كان صادماً لكثير من دعاة الإصلاح الديني الذين اظنوا أن المجلة تنادي بالكفر، وترددت شائعات بأن وراءها جماعة من المبشرين المسيحيين.
معظم كتاب مجلة “السفور” كانوا كتاباً متنورين وثقافتهم عالية وفكرهم واسع، ونجحت المجلة نجاحاً كبيراً، مما أغاظ أعداءها ومهاجميها الذين ظلوا يحاربونها، ولكنها استطاعت رغم التشنيع عليها أن تستمر سنوات، وكان الشيخ مصطفى عبد الرازق هو من يشرف على تجميع مقالات الكتَّاب وطبعها، وفي فترة صدورها كتب فيها مقالات تقريباً في كل عدد، وآخر مقاله كتبها فيها كانت بتاريخ 27 ديسمبر 1917، ثم توقف صدورها.
مشيخة الأزهر
تولى الشيخ مصطفى عبد الرازق مشيخة الأزهر لمدة تقارب عاماً وشهرين من محرم 1365هـ/ ديسمبر 1945 حتى وفاته في24 ربيع الأول 1366هـ/ 15 فبراير 1947م، وقاوم كبار العلماء بالأزهر تعيينه لأنه كان من المعهود دائماً أن يكون شيخ الأزهر من جماعة كبار العلماء، ولا يُعيَّنُ بهيئة كبار العلماء إلا من تولى وظائف معينة في القضاء الشرعي، أو درَّسَ بالأزهر مدة معينة، ولم يكن الشيخ كذلك، فلم يعترف كبار العلماء بتدريسه بالجامعة المصرية، فقامت الحكومة بإصدار قانونٍ جديدٍ ينص على أن يكون التدريس بالجامعة المصرية مساويًا للتدريس في الكليات الأزهرية، في الترشيح لمشيخة الأزهر، فوافق معظم علماء الأزهر إلا قليلاً منهم، عمل على إدخال بعض الإصلاحات إليه، فأدخل اللغات الأجنبية، وأرسل البعثات إلى الخارج.
مؤلفاته:
كان للشيخ مصطفى عبد الرازق عديد من المؤلفات حيث كان مفكراً وأديباً، وعالماً بأصول الدين والفقه الإسلامي، واعتبر مجدداً للفلسفة الإسلامية في العصر الحديث، وصاحب أول تاريخ لها بالعربية، ومؤسس المدرسة الفلسفية العربية التي أقامها على الإسلام؛ ولذلك فله العديد من المؤلفات في الفقه والحديث والتفسير والفلسفة والاجتماع، وفي الشعر، ومن أهم مؤلفاته:
– ترجمة “رسالة التوحيد” لمحمد عبده إلى الفرنسية بالاشتراك مع برنارد ميشيل.
– مذكرات مسافر.
– مذكرات مقيم.
– جمع أخوه الشيخ علي عبد الرازق مجموعة من مقالاته التي نشرها في الجرائد والمجلات في كتاب تحت عنوان “من آثار مصطفي عبد الرازق” مع مقدمة لطه حسين، وصدر في سنة 1377 هـ- 1957م.
– نسخ العديد من أعداد مجلة “العروة الوثقى”.
– نسخ كتاب الإمام محمد عبده الذي ألفه عن الثورة العرابية.
– جمع تراث جمال الدين الأفغاني، وما لم يستطع إحرازه مطبوعًا نقله بخط يده.
– كتب أدبية عن البهاء زهير الشاعر المعروف، ونشرت سنة 1349 هـ 1930م.
– تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، سنة 1363 هـ- 1944م وهو أشهر كتبه وأهمها.
– في سيرة الكندي والفارابي وصدر سنة 1364 هـ- 1945م.
– كتاب “الإمام الشافعي”، وصدر ضمن سلسلة أعلام الإسلام سنة 1364 هـ- 1945م.
– الدين والوحي والإسلام.
– فيلسوف العرب والمعلم الثاني “محمد عبده وسيرته”، ونشره في عام 1365 هـ- 1946م، وهو يجمع مقالاته ودراساته عن أستاذه، وركز فيه على الجانب الإصلاحي والفلسفي من حياة الإمام.
– رسائل موجزة بالفرنسية عن الأثري الكبير بهجت بك.
– رسائل بالفرنسية عن معنى الإسلام ومعنى الدين في الإسلام.
وله أيضا مذكراتٌ ومجموعة مقالاتٍ وأحاديث لم تنشر حتى الآن من أهمها:
* مؤلف كبير في المنطق.
* مؤلف كبير في التصوف.
* فصول في الأدب.
* مذكراته اليومية. 

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *