ممنوع الدخول لغير المحجبات!


*جمانة غنيمات

في إحدى جامعاتنا الخاصة، يُمنع دخول النساء من دون حجاب. ورضوخا لهذا الشرط، تضطر الطالبات غير المحجبات إلى استخدام غطاء الرأس داخل الحرم الجامعي، حرصاً منهن على إكمال دراستهن.

ففي نقاش مطول مع طالبة غير محجبة في حياتها الاعتيادية “خارج تلك الجامعة”، توضّح أن قبولها الرضوخ لرغبات الجامعة مبعثه الاضطرار؛ فبغير ذلك لا تستطيع مواصلة مسيرتها العلمية!
مثال آخر يتجسد في محاولة أحد البنوك العاملة في السوق المحلية فرض زي محدد على الموظفات فيه، يقوم على ارتدائهن الحجاب، بمن في ذلك غير المسلمات منهن! في مسلك يلغي الآخر، مع ما لذلك من دلالات وتبعات في غاية الخطورة.
السؤال المهم هنا: كيف لنا كمسلمين انتقاد العالم الغربي لمنعه الحجاب في الجامعات والمدارس وأماكن العمل أحيانا، وندين مثل هذه السياسات، فيما نحن نأتي بما يشبهها تماماً، لكن بالاتجاه المناقض؟ فالحالتان لا تختلفان؛ إذ في الأولى يُفرض على المرأة المسلمة التخلي عن حجابها بقرار، فيما في الثانية يُفرض عليها وضعه انصياعا لقرار أيضاً!
لا أدري كيف لنا أن نتهم العالم بانتهاك حرية المسلمات، والاعتداء على خصوصيتهن، فيما نبيح لأنفسنا في الوقت ذاته الإتيان بالسلوك نفسه!
أتفهم أن تتخذ إدارة الجامعة مثل هذا القرار لو كانت تتبع مؤسسة دينية علمية، مثل الأزهر. لكنها في الواقع جامعة خاصة، تتقاضي آلاف الدنانير لمنح الدرجات العلمية. أما البنك فهو حكاية أخرى.
ولو كان مقر الجامعة دار عبادة، لاستند شرطها إلى المنطق. أما ما يجري فهو، وبصراحة، لا يعني إلا أمرا واحدا: نظرة قاصرة لمقاصد الإسلام وللنساء على السواء. إذ ماذا يعني أن تضع الطالبات غطاءً للرأس يخلعنه بمجرد مغادرتهن حرم الجامعة؟ وما الفائدة من فرضه عليهن إن لم يكن جزءا من شخصياتهن وقناعاتهن؟!
ثمة نقطة أخرى تتعلق، ربما، بطالبات العلم من غير المسلمات، والراغبات في معرفة المزيد عن ديننا؛ فهل يحق لنا فرض قناعاتنا عليهن، فقط لأنهن قررن الدراسة في جامعة معينة؟
أرجو أن لا يُفهم من المقال أنني ضد الحجاب، فالأمر بالنسبة لي يندرج تحت بند الحريات والقناعات، وليس الإكراه؛ سواء على ارتدائه أو خلعه. إذ ماذا يضيف ويفيد إجبار المرأة على تغطية رأسها، لتقوم بخلعه بعد أن تخرج من باب الجامعة؟!
الحجاب قرار شخصي عن قناعة داخلية عميقة؛ فلا يمكن لأي امرئ فرضه على المرأة، خصوصا إذا ما استُخدمت في ذلك طرق تنطوي على شكل من أشكال الابتزاز، باستغلال احتياجات النساء؛ كما يبدو ذلك في حالة الجامعة، حيث تحرص نساء على اكتساب المعرفة والحصول على شهادة، وكذلك العمل -في حالة البنك- لتحصيل لقمة العيش والارتقاء إنسانياً كما مادياً.
مع انتشار الفكر المتطرف الذي يستسهل قتل النساء خصوصاً، وأسوأ من ذلك بيعهن في سوق النخاسة! فإننا نحتاج إلى حكمة وروية في التعامل مع المرأة، حتى لا تختلط الأوراق، فنتشبه بهؤلاء من دون حتى أن ندرك ذلك.
بصراحة، لو كنت مكان السيدات اللاتي وُضعن أمام الاختبار، لما قبلت؛ فالحريات لا تتجزأ ولا تَقبل المساومات، حتى من أجل درجة علمية أو وظيفة.
_______
*الغد

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *