ممنوع الاختلاط بين الأطفال!


*بدرية البشر

قامت وزارة التربية والتعليم بتوجيه إنذار صارم عارم يقول: «ممنوع اختلاط الأطفال من الفتيان بالفتيات في المدارس الخاصة والأجنبية التي قبلت فتياناً ذكوراً في صفوفها الأولية، وعليها في مقابل ذلك أن تفصلهم فصلاً تاماً عن الفتيات، سواء في المرافق أم الفسحة ودورات المياه».

بودي لو أسأل الوزارة هل هذا عقاب لأنهم ذهبوا إلى هذه المدارس أم ماذا؟ الواضح أن التعليم العام الحكومي لم يطبق هذه التجربة، أي تدريس المعلمات لصفوف الفتيان، على رغم اعترافها بأن هناك ميلاً من أولياء الأمور إلى هذه التجربة، والواضح أيضاً أن من قام بهذه التجربة هي المدارس الأهلية والأجنبية، لكن الوزارة لا تترك فرصة لأنظمة أخرى تتفوق عليها أو تخط لنفسها خطاً غير خطها، وهي تقنعنا على الدوام أنها ملتزمة بخط جامد ساكن قانع في المجال العلمي والتربوي، رافضاً أن يتقدم خطوة نحو تعليم معاصر سواء في ما يخص تدريس اللغة الإنكليزية للصفوف الأولى أم تطوير مناهجها، خصوصاً الرياضيات والعلوم واللغة الإنكليزية التي لا تزال تدرس بالعربية ووفق نظريات تجاوزها النظام التعليمي المعاصر، وكذلك غياب نشاطي الموسيقى والمسرح في مدارسها. أحد الزملاء يخبرني أنه حين انتقل إلى كندا خضع أبناؤه في الصف الثانوي لامتحان تحديد مستوى فلم يحرزوا سوى درجة متدنية تعادل مستوى الصف الأول الابتدائي تقريباً. مناهجنا متوقفة عند مستوى محو أمية.
لن أتحدث هنا عن مناهج الوزارة بل سأتحدث عن هذا المفهوم الذي تصر وزارة التربية والتعليم أن تجعله مفهوماً من مفاهيم التربية والتعليم، وهو منع الأطفال في مدارس خاصة أو أجنبية من الاختلاط بفتيات في العمر نفسه على اعتبار أنه حرام، لأذكرها بمسؤوليتها عما حدث من ارتباك في مجتمعنا – أثناء فترة سميت بالصحوة – عن تشتت جمع العائلات، فجعلت الطالب يوسوس ويسأل نفسه إن كان جلوسه مع أخته حلالاً أم لا؟ وإن كانت المناهج لا تقول ذلك في شكل مباشر فإن المعلمين وأنشطة المدارس الخارجية التي هي عبارة عن ملزمات مليئة بأسئلة الحلال والحرام قامت بالدور. كان أبنائي يعودون إلى المنزل كي يحلوا واجباً لنشاط مدرسي يسألهم: ماذا تفعل مع أختك أو والدتك إذا ركبت مع السائق – المقصود طبعاً سائق العائلة -، أو سؤال ما حكم وجود أطباق لاقطة في المنزل؟ الجواب طبعاً لا يجوز.
لقد كان مجتمعنا السعودي على سجيته – المحافظة – يحرص على وجود العائلة في مجلس واحد بنسائه المحتشمات في أغطيتهن ورجاله في علاقات عائلية ترقى فوق الشبهات والظن السيئ، فكانت الأم حين يدخل أحد أقارب زوجها لا تترك المكان بل تضع غطاءها على وجهها وتقدم القهوة وتتبادل معهم الحديث من دون حرج، اليوم لم تعد الأخت تجلس مع أخيها بسبب الفصل الذي صار مميزاً في مجالس العائلات، فالأخ مع الذكور في مجلس العائلة، والأخت مع النساء في مجلس النساء، وتمر أعوام طويلة لا تذكر الأخت متى آخر مرة جلست مع أخيها في حديث طويل أو مزاح عفوي، وابن العم لا يعرف بنت عمه ولا بنت خاله لو قابلها في شارع ولا كيف تكون. أما عن السبب فكما ترون، نتائج وزارة التربية والتعليم التي تقرر اليوم أنه حتى الأطفال يجب ألا يختلطوا.
________
*كاتبة وإعلامية من السعودية(الحياة)

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *