أرشيف الحكايات


هيثم حسين


تكتسب الحقيبة رمزية معينة في حالة بعض الأدباء الذين لعبت فيها دورا لافتا ضمن مسارهم الحياتي، ويفترض بها أنها تحتوي في الحالات التقليدية على أوراق المرء الهامة ووثائقه وأرشيفه، ولا سيما عند تنقله من مكان لآخر.
تشير الحقيبة إلى حالة ترحال تلازم الأديب، تتماهى مع روحه الوثّابة إلى التمرّد والتنقل، تعكس نوعا من التشرّد، وتلفت إلى جانب السفر الذي يظلّ معبرا إلى اكتشاف الذات والآخر. كما أنّها ترمز إلى حالة انعدام الاستقرار، والأمان، والبحث المتجدّد عن ملاذ آمن، وتكون الحقيبة رفيق السفر ومستودع الأسرار والأحلام معا.
حقيبة الشاعر أو الكاتب أو الفنان، ليست حقيبة مشاعر، بل ترتبط بها كثير من المشاعر، تتمتع بحميمية ومكانة اعتبارية لما تختزنه، وتحفظه من أسرار وأعمال، وبخاصة أنّ الأديب قد يدوّن اعترافاته أو بعض مسوّداته في أوراقه الحميمية، ولا يبتّ في أمر نشرها، فلطالما يقوم بتخزينها، وتكديسها، إلى غاية إشعار آخر، فتقع في أيادي الآخرين، منهم ورثة، ومنهم مستغلّون للاسم والمكانة، ومنهم من توقعها المصادفات في أيديهم.
حقيبة البرتغالي فرناندو بيسوا من الحقائب الشهيرة في عالم الأدب، فهي التي اختزنت عشرات الآلاف من أوراقه غير المنشورة، والتي نشر بعض منها بعد وفاته بسنوات.
من الحقائب المشهورة أيضا في عالم الأدب، حقيبة والد التركيّ أورهان باموك، تلك التي عنون بها محاضرته لتسلّم جائزة نوبل 2006، وتحدث عنها كإرث تليد، وكيف كانت تجتاحه مشاعر متناقضة عند الاقتراب منها، والتردّد في فتحها، والاطّلاع على محتوياتها، وكانت حقيبة تاريخية له، ألهمته كثيرا من الأفكار حول علاقته بأبيه، ومدينته، وتاريخه، واسترسل في وصف مشاعره نحوها، وكأنّ صورة أبيه ماثلة أمامه.
من الحقائب المفقودة التي لا ينساها صاحبها، حقيبة الأديب الكرديّ السوريّ سليم بركات التي فقدها بين تونس وروما، ولا يزال يتذكّرها بكثير من الأسى، ويسترجع احتواءها على مخطوطات لم تنشر بالإضافة إلى وثائقه وأرشيفه.
تبقى حقيبة الأديب كنزه الدفين والأثير معا، تغدو قطعة منه، وحين يفقدها تزداد قيمة لديه، وتصبح جرحه البليغ، يؤلمه فقدها، يغدو كمن فقد أعزّ أعزّائه، لأنه يعرف قيمة ما فيها، والحالات النفسية المصاحبة لها. كما أنها قد تحتوي على تفاصيل وصور وأشياء شخصية حميمة، لها بالغ الأثر في نفسية الأديب الحسّاسّة أصلا. فهل سيعرف مَن يعثر على تلك الحقائب قيمتها بالنسبة إلى أصحابها وتأثيرها في حياتهم؟
حديثا، احتلّت الحقيبة الإلكترونيّة حيّزا من الاهتمام، لكنّها لم تحتلّ الحيّز المفترض من الحميميّة، ويبدو أنّ تحقيق ذلك يكون من باب الاستحالة والتعذّر.
العرب

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *