ماركات إنسانية


لنا عبد الرحمن

تجتهد وسائل الإعلام في تحويل الوجوه والأسماء اللامعة إلى ماركات تجارية تخضع لقانون السوق. هكذا يصير النجم المحبوب يرتبط حضوره مع إعلان لمنتج ما مثل الشوكولا، أو العطور، أو الشامبو، أو غير ذلك. وحين نسمع عن الأرقام المليونية التي تم دفعها للنجم أو النجمة كي يقبل الظهور في الإعلان نصاب بذهول حقيقي، لأن المُنتج المعلن عنه شهير بطبيعة الحال، فكيف يتم دفع هذا المبلغ لقاء إعادة شهرته إلى الأذهان؟ 

نحتار بداية في الإجابة على هذا السؤال، لكن من المؤكد أن السوق الإعلاني لديه حسابات أخرى لتكريس المكرس من الإحتياجات البشرية، والتأكيد مرارا وتكرارا على أهميتها في حياتنا، حتى وإن كانت مشروبا غازيا، فإن الإعلان عنها من قبل فنان محبوب يؤدي إلى الإحساس بنوع من التماثل مع هذا الفنان حين تشتري المنتج ذاته الذي يعلن عنه، أو ترتبط في ذهنك صورة نجمتك الأثيرة وهي تلتهم قطعة من الشوكولا بلذه،فتسرع أنت إلى أقرب محل تجاري لتشتري الشوكولا التي تناولتها نجمتك المحبوبة، لأن هذا النوع من اختيارها وليس من المعقول أن يكون اختيارها سيئا.
تتسلل فكرة ” الماركة” إلى حياتنا بخفة من دون أن نعيها، سواء كان ذلك عبر وجه شهير يُعلن عن الأطعمة والمشروبات، أو الحقائب والماكياج والسيارات، أو غير ذلك، لكن هذا ما يحدث فعلا، ونصير نحن جزءً من آلية السوق، لأننا بطبيعة الحال مستهدفون للشراء. فاللعبة تقوم على تغليف الإعلان بنوع من ” المتعة”، وإلا ما كان القائمون على شركات الإعلان اختاروا نجوما للترويج لمنتوجاتهم، واكتفوا بوجوه إعلانية مجهولة، وستكون أقل سعرا، أي أنهم لن يدفعوا تلك المبالغ الطائلة التي يدفعوها لنجم شهير محبوب جماهيريا. لكن العاملون في مجال الإعلان يعرفون جيدا أنه كي يتم إقناعك بشراء منتج ما عليهم أن يقنعوك أولا أن هذا المنتج سيضيف شيئا إلى ذاتك، وليس هناك وسيلة أفضل من إقناعك بأنك تختار اختيارات نجم شهير في انجذاب سحري يحدث في عقلك اللاواعي.
وما قلناه عن النجم الذي يتحول إلى ماركة، من الممكن تطبيقه على كل الماركات التي تحمل أسماء مصممين عالميين، فإن المدلول النفسي لشراء ماركة معينة أهم من قيمتها المادية، لأن الغاية هنا شراء هذا النوع من الثياب أو الأحذية أو العطور، أو أي شيء آخر، كب يتم تصنيفك على أنك من الأشخاص المميزين، لأن هذا المنتج غير مباح لكل الناس، ولا يقدر على اقتنائه إلا فئات قليلة منهم.
لكن المؤسف في هذه اللعبة كلها، أن هذه الحلقة لا تنتهي، وتستمر في أشكال مختلفة وتتصاعد مع كل منتج جديد يتم طرحه في الأسواق، وتصير السعادة والتعاسة مرتبطة بعدم القدرة أو القدرة على اقتناء هذا المنتج. من هنا تكون محاولة إيجاد الذات عبر الأشياء غير فعالة أو ناجحة، لأن الشعور بالرضا سيكون وقتي وعابر، وبالتالي يستمر المرء بالبحث عن المزيد، ويستمر بالشراء والشراء بحثا عن الفرح، كما تستمر الشركات المنتجة في ابتداع تصاميم جديدة حتى وإن كانت متشابهة لكن يكفي أن تحمل اسم ماركة شهيرة لتحظى بالإعجاب.
طبعا، ليس الهدف من هذا المقال التقليل من قيمة المقتنيات المادية، لأنها جزء لا ينفصل عن حياتنا، نحن نحتاج السيارات والثياب والعطور وغيرها من الأشياء، لكن أن نكون واعيين فقط أن هذه الأشياء ليست نحن، وأنها لا تُعتبر امتدادا لشخصيتنا، لأن القيمة الذاتية لا تتساوى مع مقدار ونوعية ما نمتلكه خارج ذواتنا، بل داخلها فقط.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *