*محمد الهادي الجزيري
غاضب تماماً هذا المساء!
بل حانق كما لم أكن أبداً، في قلبي تنوح الحرائر ويموء الأيتام، في قلبي يبكي الكرام المقهورون، بي رغبة في التشظّي والتلاشي والانمحاء التام من سلالة هذا المسمى اعتباطاً إنساناً، وما هو إلا الوحش الذي حذّرتني منه جدتي في فاتحة وخاتمة كل حكاية، لكنّها لم تقل لي أنّه يصلّي ويصوم ويدّعي الدفاع عن الله جلّ جلاله، إنّه الوحش إذاً، ذابح الورد ومغتصب الفراشات في زمن الهول الأعظم وعلى مرأى من القطيع المنصاع لشهوة السكين «المقدّسة»!
غاضب، نعم وكافر بكل شيء قد يجمعني بالغبار وأتباعه، لا يمكنني أن أعبد ما يعبدون، ليس في وسعي تفادي الصدام مع الخرافة بعد اليوم، لقد عضني الوحش من روحي يا لغتي المندهشة، ولا شفاء لي بغير الثأر، نعم الثأر والتشفّي كذلك فقد فعل بي وبأهلي ما لا تقدرين على استيعابه وإدراكه، نشأ في بيتي، بين أبنائي وإخوتي وتعلّم في مدارس وطني وتغذّى من خيراته، واليوم أتلف كل شيء جميل، أتى على البشر والشجر والحجر بدم فادح البرودة ويد كافرة بكل ما بنته أجيال من عشاق الوطن، تجرّأ على قلاعنا الصامدة وصيّرها تراباً حزيناً، هدم البيوت والمدارس والجامعات، لم يفلت من حقده المقيت الأعمى مقام لوليّ صالح ولا نصب تذكاري لمجاهد وطني حرّ ولا حديقة أطفال وعشّاق، خرّب القرى والمدن والعواصم وشرّد الأسر الآمنة وباع الحرائر على قارعة الطريق، ونحر الفتيان الرائعين، فكيف أغفر له يا لغتي المذهولة من سقوطي في بئر الثأر، الدم بالدم ولا رادّ لعواصف غضبتي، أنا أكثر من شخص يكتب في عزلته، أنا ملايين الحانقين المقسمين على الانتقام لكل قطرة دم سالت هدراً وظلماً وقهراً، وكل دمعة حرقت خدّ حرّة، يا ويل الدواعش وحلفائهم منّا إلى الأبد، لن نترك لهم أثراً في أرض أو كتاب، إنّ فداحة ما أقدموا عليه من تخريب ممنهج وتشريد وتعذيب وإذلال وانتهاك لكرامة الطيّبين الآمنين المسالمين لن تمحى من ذاكرة آخر شبل فينا، لقد أرادوها حرباً فاصلة وسيكون لهم ذلك، وقد قدّم لهم أبطال الجيش العربي السوري ورجال المقاومة في كل مكان عديد النماذج لما سيكون عليه مصيرهم المشؤوم، ستنفر من احتضانهم الخرائب والمزابل، ستأنف الغربان والكلاب السائبة من الاقتراب من جثثهم الموبوءة القذرة، سترفض السماء والأرض احتواءهم وستنبح أرواحهم في غياهب التيه، لن نغفر أبداً ولن نصالح خنزيراً واحداً، لن نتنازل عن رغبة أمهاتنا في محو قتلة فلذات أكبادهنّ من الوجود تماماً، لن نسهو لحظة واحدة عن اقتفاء آثار سلالتهم النجسة، وليقل العالم عنّا ما يشاء، العالم الذي يتابع مأساتنا كمن يتابع مسلسلاً شائقاً، العالم الذي فقد كل قيمه الإنسانية وانقاد خلف القردة والضباع، إنها حربنا التاريخية الفاصلة وصدامنا الحاسم مع غبار الحضارات وإنا لمنتقمون ومنتصرون.
آخر القول:
ماذا نفعل بكل هذا «الشعر» والدم والتقوى الموسمية؟
لا شعر تكتبه يد قادرة على الذبح
لا دم في عروق إخوتي، بل سمّ
لن أشارك الدواعش شيئاً، حتى الصيام
وربّما التنفس.
______
*تشرين