‘سليمى’ فيلم يستعرض تاريخ امرأة تعشق الثورة والحرية


*مرهف دويدري

فيلم “سليمى” هو فيلم من الرسوم المتحركة، أطلق بشكل رسمي في 29 مايو 2015، حيث يشكل الفيلم الجزء الثاني من ثلاثية الصوت، التي تعمل عليها حركة “استيقظت”، وهي حركة نسائية سورية، تعرّف نفسها بأنها “تحكي قصصا حقيقية، من وجهة نظر نساء في المجتمع السوري”.

كما توضح الحركة بأنها ترصد “كيف تبدو الحياة عند النساء والرجال، لدى التركيز على الجسد والجنس والجنسانية، وكيف تعمل أفكار أو تفاسير معينة، تتعلق بهذه المفردات الثلاث على تكوين مجتمعنا والتحكم بحياة الجميع: حياتك وحياتنا”.
وتؤكد حركة “استيقظت” على أنها تروي كيف “تدرك النساء أنفسهن بوصفهن نساء، وكيف يختبرن هذا الإدراك؛ والصراعات التي يخضنها لكي يكن أنفسهن في مجتمع يعتبر المرأة كائنا ثانويا هامشي الدور، على محيط دائرة مركزها الرجل”.
وتضيف معبرة عن أملها في أن يكون عملها هذا “فعل تضامن” و”تعبيرا عن الاحترام والإعجاب بالكثير من النساء، اللواتي يسعين ليكتشفن أو يصرن ما هن راغبات فيه: نساء بالكامل”.
يمكن تلخيص محتوى فيلم “سليمى”، على أنه شريط من الذاكرة يمر في مخيلة كل امرأة سورية منذ الطفولة، حيث بدأت سلطة الأسد- الأب باعتبار أن البلد بمثابة مزرعة خاصة به وبعائلته، وأن كل شيء في هذا البلد يتطور بفضل القائد المفدى، الذي اعتادت الحناجر أن تصدح في كل مناسبة “وطنية”، معددة مكرماته، عبر أغنيات تعطيه الصفات الإلهية.
في ذلك الوقت صرخت سليمى الطفلة “أنا بكره حافظ الأسد”، إلاّ أن اليد الأمنية طالتها في مدرستها الابتدائية، أثناء حصة دراسية، تتحدث عن إنجازات الأب القائد، فكان نصيبها عدة صفعات من مديرة المدرسة على وجهها، لتأديبها على فعلتها الشنيعة، حيث اعترفت لها المديرة آنذاك أنها لو لم تضربها، لكانت القوات الأمنية “شحطتنا أنا وأنت”. قد يكون هذا هو الدرس الأول لسليمى، كي ترفع شعار “بالروح بالدم نفديك يا..”!
ساعات المحنة الأولى من الاعتقال، أعادت لها هذه الذكرى التي ارتبطت بالقمع والصفعات، فالسيناريو يتكرر هذه المرة في فرع أمني، وليس داخل غرفة الإدارة في المدرسة.
“لو بدي موت ما بقدر شوفهن ماسكين حدا، وما حاول ساعدو”، تقولها سليمى متحدية كل أصناف التهويل والعذاب، اعتقلت مرتين، انفصلت عن زوجها المعارض الذي لم يرض أن تكون المرأة جزءا من تلك الثورة الشعبية “الي عم تساويه هاد للرجال”، لكن الابن والبنت تخليا عنها، لتبقى وحدها تقود حريتها عبر المظاهرات والعمل في المشافي الميدانية، لأنها لا تستطيع إلاّ أن تساعد الآخرين. في هذا الفيلم، تبرز فكرة هشاشة المرأة في نظر المجتمع الذي ينظر إلى المرأة على أنها جسد وعورة فقط، حيث أكد لها زوجها محذرا: “ممكن يغتصبوك”.
وفي مشهد آخر، تظهر “سليمى”، وهي تعمل ممرضة في مشفى ميداني، فيدخل أحد المقاتلين، ويستهجن وجود امرأة مع الرجل- الطبيب في غرفة واحدة وهما يداويان المرضى، حيث اعتبرها من المحرمات، لكنها واجهته بقوتها “شو نحنا عم نرقص slow هون”.
تمرّ أحداث الفيلم خلال خمس عشرة دقيقة، تحكي خلالها الذاكرة عن كل الأسباب التي دفعت سليمى (المرأة) إلى دخول فضاء الثورة، من مفهوم الأب القائد، إلى مجازر مدينة حماه عام 1982، التي حدثت في عهد الأب، وسخرية الأسد-الابن من مشاهد القتل اليومي وإنكارها.
والأهم من هذا، التهميش الذي عانت منه المرأة السورية في مجتمعها، حيث يصور لنا الفيلم أن “سليمى” امرأة سورية من غوطة دمشق، ومن أسرة محافظة ترتدي الحجاب، ما يجعل مجتمعها الصغير يحاسبها على حركاتها وسكناتها.
كل هذه الأسباب كانت كافية لتخرج عن صمتها وهشاشتها، في مجتمع لا يعترف بالمرأة، فبدأت صراخها بصوت عال، لتستمدّ قوتها من إرادتها في الحياة، والثورة، والحرية…
يعرض الفيلم تجربة خاصة، تنبع من كونه عملا استمدّ تميزه من استخدام الرسوم المتحركة، في رسم معالم التحدّي الذي أرادته حركة “استيقظت”.
قد تكون تقنية التصوير بكاميرا محمولة، وتجسيد الشخصيات عبر ممثلين أكثر تأثيرا، من خلال الانفعالات التي قد تصدر عن الممثل، والتي لا يمكن أن تسجل في فيلم يستخدم الرسوم المتحركة، إلاّ أن استخدام الرسوم المتحركة يمثل تحديا جديدا، تعمل عليه حركة “استيقظت”، حيث أنه لا يمكن تجاهل مقدار الجهد الذي قد يبذل في إنتاج خمس عشرة دقيقة من الرسوم المتحركة، ليرسل رسائل جديدة عن قدرة المرأة السورية على اقتحام الصعوبات، والوصول إلى الهدف الذي رسمته لنفسها.
_______
*العرب

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *