*حسين درويش
اليوم، وأكثر من أي تاريخ آخر، نحن نحتاج إلى عصر تنوير جيد يبدأ من المدرسة إلى النقد إلى التحليل والتفكير، وصولاً إلى التغيير. عصر تنوير يعيد إلى الواجهة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي ورفاعة رافع الطهطاوي وعلي عبدالرازق وشبلي شميل، وغيرهم من التنويريين.. الذين أثروا في حركة النهضة العربية. إننا بحاجة ماسة لنهضة مماثلة، تنقذنا من عصر الظلام الذي وصلنا إليه.
مصر ليست نموذجاً لتلك الحاجة، مصر مفردة كبيرة في قاموس الحاجة التنويرية، ومن حولها مفردات أخرى في كتاب الجهل والتخلف الذي وصلت إليه المنطقة. من كان يعتقد أن النهضة في مطلع القرن العشرين، بعد أقل من نصف قرن، ستفضي إلى نفق مظلم، يزداد طولاً كلما تطور العالم.. ويزداد ظلاماً كلما فكر الناس بهواء الحرية؟
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عرفت أوروبا حركة فكرية قام بها الفلاسفة والعلماء، الذين نادوا بقوة العقل وقدرته على فهم العالم وإدراك ناموسه وقوانين حركته. وقد أُطلق على تلك الحركة مسمى: “عصر التنوير”، حيث اعتمد التنويريون على التجربة العلمية والنتائج المادية الملموسة، بدلاً من الاعتماد على الخرافة والخيال.
لقد مهد عصر النهضة الطريق أمام بداية التحرر الفكري والتطور العلمي في القارة الأوروبية، ثم أدت حركة النهضة إلى الاهتمام العام بالفلسفة. تلك الفلسفة المفتقدة في مدارسنا العربية، وتلك المدارس التي تعيش في القرن الواحد والعشرين بعقلية كتاتيب قرون ساحقة. ومنها كان من الطبيعي أن يبدأ التخلف واستمرار الانحدار الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه، من قتل للآخر الذي لا يتفق معنا بوجهة نظره.
وعندما لا تنتج أمة، فلاسفة يرون الغد ويحللون الماضي وينتقدون الحاضر، أخشى أن حاجتنا إلى عصر تنوير جديد ستطول، كما ستكون حاجتنا إلى الحرية لا معنى لها إذا لم نعرف شكل الحرية أو هدفها.
_________
*(البيان)