امرأة لزجة..!


*الشيخ نوح

( ثقافات )

هناك رغبةٌ عاصفة عاصفة تتمدد فيّ الآن للكتابة عنك، وقد نما صندل الشوق في روحي كلاما معطرا يغار منه ذهب الصمت؛ ويرفرف عصفورا من بخور كلما داعبت الريح أجنحته، رغم أن مجرد الرغبة في الكتابة ليس كافيا لتنضج سنابل الكلام أو لينهمر المطر.. فللكتابة اشتراطاتها ومناخاتها التي لا تقل تعقيدا وإغراء وديكتاتورية عن سيل التفاصيل في داخلي، هذه التفاصيل المعلقة على خطّاف البوح كقدر مرتبك، والتي تطلق نوارسها في فضاءات الذاكرة.. هذه التفاصيل التي تزرقّ الآن وتحدّق بعينيها البارزتين كأنهما زوجا أقمار!
فصل جديد من القلق الشهي الذي تنهار أمامه أسوار المقاومة ذلك الذي ينفتح الآن من كتاب الهوس حينما تشد زناده يد الذكريات؛ وتجدل ضفائره بإصرار لذيذ لا يعرف التوقف كما لو كان نهرا دفاقا ينبع من مرتفعات الأبدية، فهل تراك تدركين مستوى اللذة الموجعة التي تجتاحني وأنا أحفر بأظافري في جسد اللغة بحثا عن كنوز أو إيحاءات تملك من البريق والجرأة ما تستطيع به أن تعطر كبريت شفاهك بنارها المبتلة؟!
هل تفهمين كم أشقى في سبيل اجتراح معجزة الرقص على إيقاعات الأبجدية مشنوقا بحبل الغصات والتصورات الخديجة التي تتوالد من مغامرة التفتيش عن مغارة الأشياء المكتملة في الكلمات الناقصة؟، هل تفهمين منسوب القلق والعرق وأنا أرتب مشاهد الذكريات ذهنيا بين سطور ذلك السفْر الطاعن في الهدوء كقاع البحر؛ والغارق في سادية محببة كعيني معشوقة، إنه السفْر المدجّج بالأسرار والمسمى اشتياقا، هل تفهمين؟!
هل تحسين بحجم المكابدات التي أقاسيها من أجل اقتراف حالة عناق بيني وبينك في مسرح الذهن؛ على تخوم الأحلام المجدولة من وبر المواقف المتزاحمة مثل طابور وظائف؛ وأنا أعصر من كرم التخييل خمرة الصور واللحظات الممعنة في رئة الماضي البعيد كأنها جذور باوباب في أعماق أرض إفريقية مبللة بماء الآلهات والذهب والأساطير التي تسورها غابات المانجو وهي تتصادى في حفيفها مع حقول الموز حيث تتدلى الأعذاق ناضجة لتتحرش بالأفواه المحاذية!
كان الأمر سيكون أسهل لو تجسدتِ حورية من نور تولَد من رحم الشمس كلما لامسها قدرُ الشروق؛ إذ سيكون من المتاح لي أن أُلبسكِ حينها جلباب كلماتي؛ وأزرعك كطفلة من العبق بين القلب والشغاف مع كل نبضة تغزلها الشرايين في عتمة ذلك الجسد المخبوز من قمح الغموض.. ذلك الجسد المسمى ليلا.
لو كنت مجرد غيمة مسافرة في السماء لكان من غير المستحيل أن أصطادك وأخبئك في جيبي الأيمن؛ لأمرر عليك أصابع دهشتي كلما عزفتني رغبة العناق أو لحظة اللقاء أو شهوة متناقضة في البكاء، لكن أن تكوني امرأة لا يقبض عليها القدر إلا على أرضية المخيال مثل فكرة سوريالية؛ فهذا ألمٌ ألذّ من أن أضيّعه ومستحيل أبذخُ من أن لا أغازله أو أموت على ضفته ظمآنا!!
____
*كاتب من موريتانيا

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *