من ديوان “أنا شاعر”


* محمد القليني

خاص- ( ثقافات )

أنا شاعِرٌ لا يُجيدُ الإمْساكَ بتَلابيبِ فِكْرَتِهِ
ولا يَعْرِفُ كَيْفَ يُوَظِّفُ أدَواتِهِ لِكِتابةِ نَصٍّ جَيِّدٍ
مَثَلاً.. حينَ حاوَلْتُ أنْ أرْسُمَ حُقولاً خَضْراءَ
وفَرَساً أبْيَضَ يَعْدو كَسَهْمٍ 
وصَبِيّاً يَقْطِفُ حَبّاتِ البُرْتُقالِ
ويَضْحَكُ لِفَراشةٍ مُلَوَّنةٍ تَرْقُصُ فَوْقَ رَأْسِهِ..
حينَ حاوَلْتُ أنْ أرْسُمَ كُلَّ ذَلِكَ.. 
أطَلَّتْ عَيْنا حَبيبَتي القَديمةِ مِنْ أعْلَى الوَرَقةِ
وكَغَيْمةٍ لمْ تَعُدْ تحْتَمِلُ ثِقَلَ مَثانَتِها..
أفْرَغَتْ حَبيْبَتي كُلَّ دُموعِها عَلَى المَشْهَدِ
غَرِقَ الحَقْلُ، وهَرَبَ الفَرَسُ، وبَكَى الصَّبِيُّ حائراً 
بَينَما تَلَطَّخَتِ القَصيدةُ بدِماءِ فَراشةٍ بريئةٍ!
***
أنا أَكْرَهُ الشُّعَراءَ كثيراً
خصوصاً حينَ يَقْضَمونَ أظافِرَ اللَّيْلِ مِثْلَ فَتاةٍ خائبةٍ 
حينَ يُعَبِّئونَ أحْلامَهُمُ المُجْهَضةَ في دَواوينَ 
لا يَقْرَؤُها أحَدٌ. 
الشُّعَراءَ الذينَ يَقْذِفُونَ الأعْداءَ بالمَجازِ 
بَدَلاً مِنَ القَنابِلِ
وكَثيراً ما يَرْسُمونَ غَيْمةً مُكْتَنِزةً
ثُمَّ يَطُوفُونَ عَلَى النَّدواتِ يَهْجُونَ اللهَ
الذي لمْ يَهَبْهُمُ المالَ اللازِمَ
لِشِراءِ مِظَلّةٍ. 
أنا أكْرَهُ الشُّعَراءَ كَثيراً.. 
الشُّعَراءَ الذينَ عَقِبَ كُلِّ عَلاقةِ حُبٍّ فاشِلةٍ 
يَضَعونَ فاصِلةً (،) ويَسْتَكْمِلونَ الكِتابةَ. 
أنا لو تَرَكَتْني حبيبتي ذاتَ مرةٍ.. 
سَأضَعُ نُقْطةً هَكَذا (.)
وأَمُوتُ.
***
جَسَدي يَعِجُّ بأخْطاءٍ إمْلائيّةٍ قاتِلةٍ
مَثَلاً: حَرْفُ الألِفِ (ا) كَثيراً ما يرْتخي منّي
فأُضْطَرُّ إلى كِتابَتِهِ نائماً ومُتَقَطِّعاً هَكَذا (- -). 
بَيْنَما حَبيبَتي قَصيدةٌ شَبِقةٌ
لا تَكُفُّ عنْ فتْحِ فِتْنَتِها أمامَ أيِّ ناقِدٍ
ذي قَلَمٍ مُنْتَصِبٍ وطويلٍ! 
ولا تَعْرِفُ كَيفَ تُسَيْطِرُ عَلَى عَلامةِ الاسْتِفْهامِ
التي تلْسَعُ مُنْتَصَفَها لَسْعاً
بمُجَرَّدِ أنْ تَشْعُرَ بأحَدِهِمْ يَقْرَؤُها
بدُونِ أيِّ أخْطاءٍ إمْلائيّةٍ مِثْلي.
من ديوان: أنا شاعر

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *