أغلفة الكتب .. هل هي نصوص قائمة بذاتها؟




*خلود الفلاح

خاص- ( ثقافات )

لماذا لا يتم الاهتمام بأغلفة الكتب كعتبة من عتبات الدخول للنص؟ وهل نتفق مع ما يقال إن الغلاف لا علاقة له بالنص المكتوب باعتباره يمثل قراءة المصمم. 
تصميم غلاف الكتاب هل يمكن اعتباره عملية تشاركية بالدرجة الأولى بين المصمم والنص.. أولى خطوتها قيام المصمم بقراءة وتحليل النص، ومناقشة أفكاره الفنية مع الكاتب. في هذا الاستطلاع سألنا عن أهمية الغلاف في انجذاب القارئ للكتاب. 
يقول الناقد أحمد الفيتوري: “الغلاف ليس عنوان البيت ولا عتبته، قد يكون علامة الطريق لكنه ليس الطريق، قد يكون مظروف رسالة معطرة، وإن كان في سياق المكتوب بمعنى اختاره الكاتب أو حتى رسمه فهو كما لحن لقصيدة ما، حتى وإن كان من السياق فهو من لغة أخرى كما الموسيقي مثلا، للغلاف كينونته وثغائه، وإن أفصح بمكنون النص فهي فصاحة أعجم، فصاحة مخيال آخر، وهذا له وليس عليه لأنه بهذا هو نص فيه الخطوط والألوان تتشكل في بياض النص فتضيف جمالية غير منصوصة في النص”.
ويضيف: “الغلاف يسافر محاذيا أو متوغلا لكنه مسافر وحيد، قد يجذبنا إليه ولا ننجذب إلى النص وقد يغوينا عنه، وعندي هو كما فستان الحبيبة التي قد يزيدها جمالا في نظر الآخرين لكن في نظري الحبيبة تضيف جمالها على الفستان هديتي”.
ويرى الروائي صبحي فحماوي أن الغلاف هو العتبة الرئيسة للنص، موضحا أن الفنان اللبناني المصمم لأغلفة رواياته فارس غصوب يقرأ النص بإمعان ويستغرق فيه ثم يبدع غلافاً وأحياناً كما حصل في روايتي الثامنة “سروال بلقيس” فإني أعجبت بلوحة مدهشة للفنانة الفلسطينية ريما المزين واعتبرتها وكأنها مصممة لروايتي فتبرعت ريما بها لتكون غلافاً لروايتي، ويضيف: “كثير من الأغلفة التجارية تصدر من أشخاص ليس لهم علاقة بالفن ولا بالرواية فهم يطبعون صوراً مجهولة الهوية والمضمون. غلاف الرواية يجب أن يفتح شهية القارئ لفتح الصفحة الأولى للرواية ثم يستغرق بقراءتها ومن قبل أن تكون الكلمات فالصورة كانت أولاً”. 
الشاعرة نجاة الزباير اعتبرت الغلاف بوابة كبيرة للدخول لعوالم الديوان، وأضافت: “إنه طقس أولي لا بد من المرور به حتى نستطيع تسلق دوالي ما يوجد بين دفتين. بحكم تجربتي الطويلة في إخراج وتصميم الأعمال الأدبية أقول بأن أهم شيء هو العبور من تقاطيع التصميم الذي يكون ذو حمولة فنية، عليها أن تتناسق في ألوانها التشكيلية مع الرؤية الدقيقة للشاعر. فعندما أهيئ عملا ما للطباعة، أحاول أن أختار المقطع النابض، والحرف النابع من مجرى رؤاي الشعرية التي يمكن أن تقبض على بعض المنفلت داخل العمل الشعري، طبعا مع وضع إخراج فني يليق بالعمل والذي يحاول ترجمة بعض هواجسه.
وتضيف نجاة الزبابير: ” هكذا حملتْ أعمالي المتعددة بين الشعر والنثر رؤاي الخاصة والدقيقة، فأنا حريصة على الجمال في أبعاده، وأرى أن ذلك الجزء البسيط من المنمنمات الكتابية، هي مفتاح سحري لعناق دهشة الشاعر المنثورة هنا وهناك لنعرف بعضا من نبرات صوته. فأول ما يستفزني للكتابة عن شاعر ما، هو تلك السطور التي تعلق بالغلاف، تبحث عن من يحررها بواسطة الكتابة عنها. فإما أن تأسرني فأصبح مهووسة بالمشي في ساحاته أو الابتعاد بعد قراءة فاتحة الكتاب. وإذا كان العمل لا يحمل غير ترجمة الشاعر أو الكاتب، فإن الرؤية البصرية تكثف إحساسنا لاستشعار دواخل المؤلف ـ خاصة الشعر. ولا نظن أن المصمم وحده هو من يتحكم في مسار العمل حتى يلغيه النقاد، ويتعاملون مع أزمنته بعيدا عن الرواق المؤثث سابقا، فهناك مشاورات تتم بين الاثنين وحسب علمي لا يتم إغفال وجهة نظر المبدع في رسم ملامح وطن فني يعانق فيه بعضا من تصوراته التي تعتبر مائدة أولى يراها القارئ فيحتفي من خلالها بتجربته”.
وتوضح نجاة الزباير: في منشورات أفروديت، التي أشرف عليها حتى يكون العمل محرابا تجتمع فيه جوارح التميز حيث تلتقي جميع الرؤى، محاولين إيصال بعض جزئيات العمل للقارئ كمقدمة أولى، ليبدأ مهمته في الدخول لمدن الشاعر والطواف فيها كما يشاء. وإن كان البعض يترك الخيار للمصمم ويقبل بكل عروضه التي قد لا تتفق مع الخط التحريري لمؤلفه، وهنا يكمن خطأ المبدع. ولكن كيف سيقرأ المهتمون حكاية المبدع والمصمم؟ كل واحد سينسج معها خيط الرفض أو القبول من خلال تصوراته.. ولكن في نظري عند أي عملية نقدية سليمة نبدأ باستحضار كل الآليات الفنية المتناولة ومحاولة عناق أبعادها، وإغفال هذا الأمر يجب أن يعيد النقاد فيه النظر. 
وقال الناشر أيمن الغزالي _دار نينوى: الغلاف وجه، ومثلما تصادف وجها أمامك وتتولد لديك مشاعر وانطباعات كذلك الغلاف فإنه يترك تقريباً نفس الأثر الروحي والنفسي والمعنوي والمادي، هو كتلة بصرية قابلة للقراءة من زوايا متعددة، بصرياً وجمالياً وإعلانياً.
شرفة، نافذة، تطل من خلالها على الداخل ومن خلاله أيضاً تتنبأ وتقرأ وتحلل وتتوقع ويطلق العنان للخيال، لابتداع العلاقة السرية بين هذا الوجه “الغلاف” وما خلفه وما يحتويه ويختبأ خلفه، لوحة بعيداً عن كل مخلفات النص، مدخل، بوابة وعتبة لما سيقوله الكاتب أو المصمم أو الناشر، رسالة صدامية، تبدأ من طرف واحد أمام المتلقي؟ وتفتح أشرعتها للتحليل، فقد يراد من الغلاف حاوية أو فهرس أو عنوان لما يحتويه الكتاب أو الفكرة، تكثيف جمالي رمزي، بشكل ما وقد يراد به صادقاً، مباشراً، مستفزاً، يحرك الخيال يخلخل المسلمات، وسواء كان تجريدي أم تعبيري أو فوتوغراف أو تشكيل ما أو خط أو سطح أو لون كل ذلك له دلالته الخاصة به، الشكل يريد وكذلك المصمم والمتلقي يرى شيء آخر، هوية تحمل من خلالها توظيفات متنوعة، تضيف للجانب الأساسي وضمن إشكاليات معينة حساسية أخرى، وما يترتب عليها من مقاربات، تلمسات، اكتشافات، هذه الرؤى البصرية، تتحول مع الوقت إلى صياغة داخلية، تتبلور هذه النهايات عند الغرام الذي يقع مع المتلقي لأول مرة، وما ينجزها ويغذيها، نزاهة الفكرة، وأناقة الشكل وروعة التصميم وحرفيته، تجانس الشكل مع الخط واللون، تجاور الحار والبارد، الظل والنور، وتوزع الكتل وتجانسها على سطح من الصعب تحديد كيفية تلقيه، لكن يبدو أن الشعور الأول لن يدوم طويلاً بعد الدخول في التفاصيل، عندما محاولة التشريح والدخول في النص وإقامة هذه الجدلية بين الغلاف والنص، الذي قد يفضي بشكل أو بآخر إلى فضاء خفي ضمن قيم تشكيلية وصياغات جمالية وظيفتها الأولى إبداعية من أجل إيجاد دور وظيفي يساهم في إطلاق الحوار حول المضمون والنص.
لكن ذلك لا يهدم الفكرة وخاصة سواء اقترب المضمون من الرمز أو العكس فدلالة الغلاف قد يستمد بشكل ما من النص أو العكس كذلك. وإذا سألنا بعيداً عن هذا الجدل حول دور الغلاف في التسويق فأقول إن له دور مهم جداً ويكاد يكون مع العنوان في بعض الأحيان له الأهمية الكبرى خاصة عندما يكون الكاتب العنوان مجهول بالنسبة للمتلقي فيرتقي المجهول إلى معلوم من هذه المبهمة والحميمية التي نشأت للتو بين المتلقي والغلاف.
وقد يبتعد إلى درجة فيأخذ معه كل شيء حتى لو كان اسم الكاتب والنص مكرساً ومؤسساً ولا يحتاج إلى تعريف. الغلاف وجه وهذا ما نرجوه بأن يترك عندنا هذه الدهشة بعيداً عن النص.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *