في ذكرى أحد أهم رموز الفن الليبي الموسيقار الراحل الشيخ حسن عريبي، نظمت ببنغازي سهرة موسيقية احتفت بالموسيقار الليبي الذي أعطى المكتبة الموسيقية الليبية والعربية الكثير من الألحان الجميلة التي خلدتها الذاكرة، خاصة في فن المالوف والموشحات الأندلسية.
ورددت جنبات “بيت الكيخيا” الذي اتخذه كيخيا بنغازي (الحاكم العسكري العثماني للمدينة خلال القرن التاسع عشر) والذي يعتبر من معالم مدينة بنغازي، الألحان والموشحات العذبة التي ألفها الراحل، في سهرة رائقة احتفى الحضور فيها بالفنان حسن عريبي وفنه وقدمها الباحث أحمد القلال.
جانب من حضور الأمسية الموسيقية الرمضانية التي احتفت بعريبي (الجزيرة)أحد الرواد
ويعد حسن عريبي المولود بمدينة طرابلس عام 1933، أحد رواد الموسيقى والغناء في ليبيا والعالم العربي والإسلامي، وقد اشتهر بفرقته الخاصة بفن المالوف والموشحات الأندلسية، وبدأ حياته كموظف في وزارة المواصلات بمدينة بنغازي قبل افتتاح الإذاعة الليبية عام 1957. وما إن فتحت هذه الإذاعة أبوابها حتى التحق بقسم الموسيقى فيها كمستشار فني.
وخلال عمله بالإذاعة اكتشف العديد من المواهب الغنائية منها موهبة المطرب الليبي الشهير محمد صدقي، حيث لحن له أغنية “كيف نوصفك للناس وانت غالي”. وقدم عريبي ألحانه الجميلة لمطربين آخرين صاروا نجوما في سماء الأغنية الليبية منهم عطية محسن وإبراهيم حفظي وسيد بومدين.
ولم تقتصر ألحان الفنان الراحل على المشهد الموسيقي الليبي بل شملت الساحة الفنية العربية، فقدم ألحانا لفنانين عرب من تونس ومصر ولبنان بينهم سعاد محمد وهدى سلطان من مصر ونازك من لبنان ونعمة من تونس، وساهم كذلك في تأسيس المجمع العربي للموسيقى وتولى رئاسته دورتين في أوائل سبعينيات القرن الماضي، كما ترأس أيضا المؤتمر العالمي للموسيقى بطشقند وشارك في الكثير من المحافل الموسيقية العالمية التي ترك فيها بصمة إبداعية واضحة.
وخلال الأمسية قدم كل من الملحن عبد الجليل خالد والملحنة مسعودة القرش والشاعر الغنائي يوسف بن صريتي أوراقا بحثية تناولت تجربة الفنان الراحل وأهميتها على الصعيد الليبي والعربي، كما حفلت السهرة الرمضانية بمداخلات لعدد من الفنانين والحضور.
وأشار الكاتب المعروف خليفة التليسي -صاحب الموسوعات الشعرية- إلى أن العريبي يعد من عمالقة الفن في الوطن العربي، وقد وضع اسم ليبيا وللمرة الأولى على خارطة التراث الموسيقي والعربي والإسلامي وقدم صورة لم تكن معروفة عن ليبيا في السابق.
“
فرقة المالوف والموشحات التي أسسها حسن عريبي هي بمثابة معهد موسيقي تخرج فيه العديد من الفنانين والمطربين الذين أثبتوا جدارتهم
“
فنان مجدد
أما الروائي الليبي د. أحمد إبراهيم الفقيه الذي كان حاضرا بنصوصه التي تشيد بفن المالوف وبالفنان حسن عريبي، فقال إن “حسن عريبي قام بتحقيق فن المالوف والموشحات، الذي تبناه ورعاه وبذل حياته للوفاء بهذه الرسالة، ورسالته تمثلت في أن تكون للفن الليبي شخصيته وأن تكون لنا هوية، رسالته أن يبقي على التراث ليس في الزوايا والكتاتيب فحسب، إنما بتوثيقه وتسجيله”.
الفنان الراحل لم يقتصر فنه على المالوف والموشحات إنما تخطاه للإنشاد الديني، فهو قد تعلم تلاوة القرآن وهو في السابعة من العمر وورث الاهتمام بالمالوف عن أبيه وجده، حيث تعلم منهما المقامات ليشق بعدهما دربه مواكبا العصر ومغيرا في القصائد التي يغنيها بعض الكلمات، فقام بتعديل النصوص القديمة وتهذيب بعض الجمل اللحنية.
ويعتبر البعض -مثل الدكتورة رتيبة الحفني عميدة معهد الموسيقى العربية بالقاهرة- أن فرقة المالوف والموشحات التي أسسها حسن عريبي هي بمثابة معهد موسيقي تخرج فيه العديد من الفنانين والمطربين الذين أثبتوا جدارتهم في المشاركات والمهرجانات الموسيقية.
من أهم قصائد المالوف التي تغنى بها الفنان حسن عريبي تأتي قصائد: طابت أوقاتي ونعس الحبيب والذهب يزداد حسنا إذا انتقش وشوقي دعاني، وأيضا قصيدة المنفرجة التي ألفها الشاعر الأندلسي ابن النحوي، والتي تعتبر من القصائد السياسية التي تدعو الناس إلى عدم اليأس والإيمان بالأمل في التغيير. ويقول مطلعها: اشتدي أزمة تنفرجي ** قد آذن صبحك بالبلج.
ويقول صديق الفنان الراحل الشاعر هليل البيجو أن عريبي لحّن القصيدة قبل عام من إطلاق النظام الديكتاتوري لبعض السجناء السياسيين عام 1988، في ما يسمى بعيد أصبح الصبح، وقد لقت ترحيبا كبيرا من كل عشاق الحرية وامتعاضا وتحفظات من أجهزة نظام الديكتاتور القمعية، فهذه القصيدة التي قيلت في زمن حكم العرب للأندلس ما زالت كلماتها تعيش وتعبر عن الحياة وهموم الناس، ولم يستطع الزمن الطويل أن يضعها في مخازن الظلام.
المصدر:الجزيرة