ليلى أبو العلا : بين الالتزام وتوصيل الفكرة وبين طغيان المقصد الجمالي على الأيديولوجي

ليلى أبو العلا  بين الالتزام وتوصيل الفكرة وبين طغيان المقصد الجمالي على الأيديولوجي

عزالدين ميرغني

 

 الروائية والقاصة السودانية ليلى ابو العلا،  والتي تعيش في بريطانيا،  منذ زمن بعيد وتكتب نصوصها القصصية والروائية باللغة الانجليزية،   تلك اللغة التي تعتبر عندها  وسيلة لتوصيل قصديتها وافكارها،  وليست غاية في حد ذاتها . فدور النشر هنالك لا تجامل الكاتب فقط من أجل لغته التي يكتب بها . ولا تكتب بها لتجامل سادة المكان الذي تعيش فيه كما يفعل البعض.

وهي من الكتاب والكاتبات القلائل،  الذين يجيدون معا كتابة القصة القصيرة والرواية . بمعنى أنها على معرفة ودراية بمواعين القصة والرواية لتحمل المعاني الكبيرة التي تؤمن بها وتريد توصيلها للاخرين.  تلك المعاني التي يمكن أن نعتبرها،  نوع من الالتزام،  الذي بدأته وسارت به في كل نصوصها وكتاباتها.  وقد امتازت قصصها القصيرة في مجموعتها ( أضواء ملونة) ، والذي قام بترجمتها للعربية السفير جمال محمد ابراهيم ، وصدرت عن دار مدارات للطباعة والنشر والتوزيع ، وقد كانت ترجمة رائعة فقد قرأت النص الاصلي والنص المترجم ، استخدمت ليلى ابو العلا بذكاء الكتابة،  في أغلب قصصها ورواياتها،  الراوي العليم الذي يشرف ويخرج المشاهد القصصية ملتزما بفكر والتزام وقصدية الكاتبة.  تجنبت الكاتبة كثيرا استخدام ضمير الأنا حتى تبتعد عن تذويت الشخصية والصاقها بحياة المؤلفة شخصيا ، لأنها ملتزمة حتى في حياتها الشخصية بزيها وسلوكها .

اذا كان المعنى العام للايديولوجيا،  كما فسرها ( ادوارد شيلرز ) ، هو ( أنها  نتيجة لحاجة الإنسان،  لفرض نظام فكري على العالم ) ، وفي الكتابة محاولة فرض هذا النظام على القارئ،  وكما يقول النقد الحديث ، بأننا نفكر باللغة ، وإذا كان ( كارل ماركس ) ، يرى بأن الايديولوجيا الثقافية ، هي ( التعبير عن امتلاك السلطة ) ، فإن الكاتبة ليلى ابو العلا،  هنا ابعد ما تكون عن ذلك . وهي في مجتمع لا يقبل مثل هذا الامتلاك وهذا الفرض . وان كانت ملتزمة بما تؤمن به وتعمل به شخصيا،  فيحق لها ذلك ، ويحق لها أن تكتب عن شخصيات موجودة في تلك المجتمعات وملتزمة بعقيدتها قولا، وفعلا.  وبعد يمكن أن نختلف أو نتوافق في هذا الاعتقاد وهذا السلوك . وهي حرة في صراعها مع الآخر طالما أنها ملتزمة أي شخصياتها باحترام الآخر.  وما تكتبه أيضا متاح للنقد ليس في المعنى فقط،  وإنما في الشكل الذي يحمل هذا المضمون وهذا المعنى . سوسيولوجيا وبنيويا.  فاذا كنت كقارئ تختلف معها فأنت حر ، وإذا كنت تتفق معها ، فهي قد استخدمت بجدارة فن الإشباع الروائي . ومن هنا جاءت أغلب الدراسات التي دارت حول نصوصها مشيدة بالمعنى والمضمون في النقد الغربي الذي لا يجامل.  فهو يحترم النصوص النابعة من كاتب له مبادؤه وقيمه ومثله واخلاقه،  بل وله حريته ، في أن يكون له وعيه الايديولجي الملتزم وان اختلفوا فيه معه . ويأتي إشادة النقد في انجلترا وغيرها ، بنصوص ليلى ابو العلا،  بقدر ما أنها كانت ملتزمة فكريا بخلق شخصياتها ، وهي شخصيات واقعية حية وموجودة وسط المهاجرين هناك ، فهي ملتزمة أيضا بقواعد الفن الروائي وقوالبه وقد وظفت في أغلب نصوصها الروائية والقصصية،  ( تقنية العفوية الإبداعية) ، تلك التي تعني عدم الانفصام والتنافر مع قوالب الكتابة الفنية للقصة والرواية .

وياتي ذكاء الكتابة عندها أيضا،  في توظيفها لتقنية ( الإقناع ) ، وهي أنها تقنعك كقارئ بالشخصية وخاصة الفتاة المحافظة على عقيدتها رغم المغريات والحرية المتاحة لها   بل وان تقنع الرجل الآخر بها فيقتنع بمنطق وعقلية الرجل الأوربي بها وهي عقلية لا تعرف المجاملة ولا الخداع . وهذه التقنية تأتي من أفعال الشخصية البطلة ومن صدقها في قولها الذي يطابق فعلها وهو ما يقنع الطرف الآخر بذلك .

ومن هنا يطغى المقصد الجمالي والذي وظفته الكاتبة لصالحها حتى يتوازن مع التزامها وافكارها التي تؤمن بها . واللغة التي استخدمتها ليلى ابو العلا،  في كل نصوصها،  وخاصة حوار الشخصية البطلة مع الآخر،  هي لغة الاقناع،  والمنطق البعيد عن التهويم الوعظي والثرثرة الفارغة . فالمكان الحضاري الذي تدور فيه الأحداث لا يقبل هذه اللغة الوعظية،  ولا هذه الثرثرة الفارغة . وإنما البيان بالسلوك الشخصي والعمل الذي يطابق فيه القول الفعل ولا يتضاد معه . وقد تعمق الموقف القصصي لشخصياتها فعلا وليس قولا.

ومن هنا أصبحت شخصيات مقنعة  ليست شخصيات مسطحة  flat caracter. وقد أوصلت بجدارة فكرة الكاتبة ، لأنها شخصيات مقنعة ومتوازنة،  لها المقدرة أن تقنع غيرها وقد فعلت بأن الآخر يقتنع بعقيدتها ويعتنقها بكامل رضاه وعقله . أنها كتابات تقودها للعالمية في كتابة شخصيات يتجنب الكتاب في المنافي البعيدة الكتابة عنها اما خوفا أو جهلا أو تملقا للمكان الذي تعيش فيه . فهي لا تكتب خائفة أو مجاملة لأحد.  وإنما يدفعها التزامها وإيمانها الشخصي قبل الآخرين.

  • عن موقع

شاهد أيضاً

الروائية الفلسطينية بشرى أبو شرار: سننهض من تحت الركام أقوياء

الروائية الفلسطينية بشرى أبو شرار : سننهض من تحت الركام أقوياء ‎حوار ـــ د. أشرف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *