الروائية الفلسطينية بشرى أبو شرار : سننهض من تحت الركام أقوياء
حوار ـــ د. أشرف أبو السعود
«بشرى محمد أبو شرار» كاتبة قصة وروائية مواليد فلسطين « غزة تحديدا» تلقت تعليمها قبل الجامعى فى فلسطين. ثم أكملت تعليمها فى كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، ابنة القاضى «محمد أبو شرار» والذى أكمل مسيرته الوطنية فى المحاماة، وهو من «دورا الخليل» حيث جاء إلى «غزة» لاجئا سياسيا فى إطار تداعيات الثورة العربية، عمل فى حياته مدافعا عن قضايا المعتقلين فى سجون الاحتلال، وكانت الكاتبة رفيقة له فى ساحات المحاكم، فكان كل انتمائها لقضيتها ووطنها كما نهج والدها والمناضل الأخ الأكبر لها «ماجد أبو شرار» الذى تم اغتياله فى «روما» واستيقظت فلسطين على قصيدة «محمود درويش»
«صباح الخير يا ماجد.. قم اقرأ سورة العائد.. وحث السير على بلد فقدناه بحادث سير..»
تعيش ما بين الأردن ومصر… عضو فى اتحاد كتاب مصر, عضو فى نادى القصة فى مصر حصلت على ليسانس حقوق وتعمل بالمحاماة، و فازت بعدة جوائز أدبية مرموقة، ومن أعمالها: «دورا« و«مدن بطعم البارود» و«حتى الشمس ليست وحيدة». تقول فى مستهل حديثها للأهرام : للأدب الفلسطينى واجب قومى أمام محاولات الكيان الصهيونى تهويد الأرض وسرقة التراث يتمثل فى تجليات ودعم روح المقاومة، لذا أرى أن الأدب فى عالمنا هو العين الساهرة على كل التحديات التى قد تأخذنا إلى مترديات كما التحولات والاغتراب… وإلى نص الحوار:
الملاحظ فى معظم رواياتك أن الحنين كان هو القاسم المشترك بينها، فهل كانت الكتابة منك محاولة لتضميد جروح الذاكرة المنهكة أم لاستحضارها من تحت الركام؟
هى حروفى من دمى وروحي، حين أعود إليها أصير هناك، وجروح هى لى لم يتوقف نزيفها من ذاكرة تسكننى لن تغيب شمسها ولن يطالها أفول، لكن الآن وبعد السابع من أكتوبر، فى كل مساء وقبل أن يأخذنى النوم بعيدا أستحضر مدينتى من تحت الركام، الطريق إلى بيت جدتى حيث « الشجاعية» جامع « فلسطين» أرسم مسافاته ما بين بيتنا وطريق الوصول إليه، مدرسة «الشهيد مصطفى حافظ» هناك سننهض من تحت الركام.
قلت فى روايتك «مرايا الروح» نحن نكتب لأن أرواحنا لا تجد مكانا فى الخرائط فهل هذا يعنى أن الرواية الفلسطينية تكتب ضد الجغرافيا كما تكتب ضد الزمن؟
هى مرايا الروح التى أهديتها إلى مرآة وحيدة تعكس الماضى والحاضر أحيانا، من مرايا الروح ألتحف الفراغ حين أصل بها إلى النهاية، تتهشم المرايا التى حملت روحى وقلبي، هناك أظل وأبقى أبحث عن ظلى على طرقات غيبت خطواتي، هى الرواية الفلسطينية التى عبرت كل حدود الجغرافيا،عبرت كل الأزمنة، هى كنعان المرايا وفلسطين الروح.
من وجهة نظرك بماذا تتميز الكتابة النسوية فى فلسطين عن نظيرتها فى العالم العربي؟
الأدب النسوى فى فلسطين منذ مطلع الثلاثينيات فى القرن العشرين بدايات المسرح والفصول التمثيلية من أبرزهم الكاتبة «نجوى قعوار» التى قدمت «هنا القدس» الأديبة «سلمى طوبي» شهيدة الإخلاص «أسماء خوري» «ثريا أيوب» ندرك من خلال ما قدمن أن المرأة الفلسطينية لعبت دورا مهما فى الحياة الإبداعية والذى تلقفت رايته فى مراحل غاية فى الأهمية «فدوى طوقان» «سلمى خضر اليوسي» «سميرة أبو غزالة، سحر خليفة» وغيرهن، كل كاتبة منهن لها مسيرتها المتفردة فى عالم الإبداع لأن عالمهن هو قضية من وجع.
فى ظنك هل يمثل الأدب شكلا من أشكال المقاومة الهادئة؟
الأدب الفلسطينى من أهم ركائزه تجليات ودعم روح المقاومة، هو واجب قومى أمام محاولات الكيان الصهيونى تهويد الأرض وسرقة التراث، الثابت هنا رواد أسهموا فى التنوير النهضوى وبلورة الوعى الوطنى والقومى وبناء الحركة الثقافية فى فلسطين وعلى سبيل المثال لا الحصر «غسان كنفاني» «مى زيادة» «فدوى طوقان» أدب المقاومة كان له أثر فاعل فى تاريخ مقاومة الاحتلال وكما كتب مبدعنا «ناجى العلي» «إن عملى هو الرصد وكشف الألغام».
وضحى لى كيف جعلت من المكان «فلسطين» كائنا حيا فى معظم رواياتك؟ ولماذا؟
الأمكنة فى حياتى منذ نشأتى على أرض فلسطين أجدها نقشا على حجرات قلبي، هناك حيث كنت تركت مطارح أقدامي، حين تأخذنى مدن المنافى بعيدا لا أراها،لم أر سوى فلسطين وطنى الساكن فى روحى وقلبي، أرسم مدينتى بشوارعها، حواريها، ضواحيها، يحضر المكان، تحضر فلسطين طازجة على الورق، أجمعها، فتصير رواية ذاكرة جمعية وإن سألنا «لماذا؟» أجدنى أقاوم وأستعيد ذاكرة تكالبت عليها أقصى ألوان القهر والتغريب والتذويب، فى روايتى «شمس» كانت الإطلالة فى الاهداء « إلى مدينة الحلم الطويل «غزة» هى «غزة» التى ستبقى ذلك الحلم البعيد المدي.
هل يمكن اعتبار الرواية الفلسطينية ذاكرة بديلة قادرة على توحيد صوت الجماعة فى ظل التحولات الفردية والاغتراب الرقمي؟
هو الأدب الذى له أثر باق فينا جيلا بعد جيل له عظيم الأثر فى رصد الأحداث بروح جمعية وقد يكونون شخوصا يسكنون ذاكرتنا منهم ننشد بوصلة الوصول، الأدب فى عالمنا هو العين الساهرة على كل التحديات التى قد تأخذنا إلى مترديات كما التحولات والاغتراب، من ينسى «محمود درويش» حين قال «أحن إلى خبز أمى وقهوة أمي» ومن ينسى «غسان كنفاني» رجال فى الشمس «لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟!»..«عائد إلى حيفا».
لوحظ فى أعمالك حضور المرأة بوصفها شاهدة،هل هذا من قبيل الفعل الأدبى أم المسئولية الأخلاقية؟
المرأة فى عالمى هى أنا، وأنا التى تكتبنى وقد أكتبها، أكتبها من خلال ثوابت نشأت بها وعليها، حين رأيت الحياة رأيتها من عين «أمي» هى التى أخذتنى إلى عالم كتب، على عتبة بيت جدتى كنت ألوذ اليها لأحمل من دفئها ما يزيح صقيع وقتي، المرأة تشكلت فى قلبى من عالم والدتى وأنا تشكلت كيانا من عقل حيث مدن المنافى البعيدة، صرت فى غربة واغتراب وأنا لا حيلة لى سوى أن أكتبني.
صفى لى مكانة الأدب الفلسطينى بين أبناء الجيل الجديد من القراء العرب؟ هل ما زال وجعه حاضرا كما كان فى الماضي؟
الأدب فى حياة كل مجتمع لا يخبو من بريقه، كما حبات الماس يبقى نورها فى قلب كل متلقي، الأدب الفلسطينى سيظل ويبقى أسطورة خالدة عبر كل الأزمنة، حين أعود لقراءة أعمال لكاتب فلسطينى أعود إليها وكأنى بها للمرة الأولي، حروفى تعيدنى لقصة كتبها أخى الشهيد «ماجد أبو شرار» «الرحيل» نشرت فى مجلة «الدوحة» 1982 استهل قصته:
«هنا لى بيت بلا أرض، هناك كان لى ماض وكنت أملك ناصية يومي، كنت أزرع أحلاما تشرق بهية فى غدى وأنا هنا بلا ماض، يومى بطاقة سوداء تسلمنى بعناد ونزق إلى غد أشد سوادا..»
متى تصبح الكتابة هى البديل الروحى عن الوطن المفقود؟
الكتابة عالم له أسراره وشفراته الخاصة به، عالم الكتابة روح الوجود فى حياة نعيشها، أنا أكتب إذن أنا موجود،الكتاب خطوا حروفهم من عذابات الحياة، فقد ووجع، المعاناة هى التى تشكل ذات الكاتب، الكاتب لا يكتب فى نزهة، هو يكتب من روح الوجع، نحن فى عبق فلسطيننا نكتبها ونشكل أجمل أيقونة فى قلب كل فلسطيني، نشكل إنسانا حقيقيا فى هذا العالم يعيش إنسانيته التى ترفض الظلم والقهر الأبدي.
فى ظل التحديات الاجتماعية والسياسية، ما الحدود الفاصلة بين حرية الابداع والمسئولية الأخلاقية فى مسيرتك الروائية؟
الحدود الفاصلة هى التجربة التى نكتبها ويكون الهدف منها بناء الذات ورأب تصدعاتها، ليس كل ما نواجهه فى حياتنا يصلح للكتابة، نكتب من مساحات نور تزيح عتمة المتلقى وتعيد بناءه وتعيد إليه ذاته وقوته وحياة يتمناها من موروثه الحضاري،هذه حدودى وثوابتى وأتمنى أن أوفق فى مشواري.
كيف ترين مستقبل الأدب الفلسطينى فى عالم تختلط فيه المفاهيم السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية بسرعة مذهلة تفوق قدرة اللغة على الاستيعاب؟
الأدب الفلسطينى هو كما الأدب فى جميع أنحاء هذا العالم، لكن حين نأخذ الهوية الإبداعية فى هذا السياق، أقول إننا منذ بدأنا مشوارنا الأدبى ونحن نعيش كل هذه الترديات حتى وإن وصلت سرعتها ما يفوق الصوت، فيا جبلا لن تهزك الرياح، نحن باقون على دربنا وثوابتنا كما نور الشمس وكما قمر يأتى الينا ويهدينا نورا لن تصله العتمة.
ثقافات موقع عربي لنشر الآداب والفنون والفكر يهتم بالتوجه نحو ثقافة إيجابية تنويرية جديدة ..!


