“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

منال رضوان

 

 

المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال الدين الرومى، وهما من كنوز النظم فى الأدب الفارسى، شأنهما شأن الكثير من مؤلفات تزخر بها هذه المكتبة العامرة باللآلئ والدرر، والتى وجدت العلماء من أبناء اللسان العربى الذين تصدوا لمهمة ترجمتها وإعادة صياغتها، لتقع بين يدى القارئء العربى فى أبهى صورها.. ومن أبرز هؤلاء العلماء، الأستاذ الدكتور إبراهيم الدسوقى شتا، أستاذ اللغة الفارسية، رئيس قسم اللغات الشرقية الأسبق بكلية الآداب جامعة القاهرة، وقد ولد إبراهيم الدسوقى يوسف شتا فى عام ١٩٤٣ بقرية بيلا (مدينة بيلا الآن) بمحافظة كفر الشيخ، وكان والده، الشيخ يوسف شتا، عالمًا أزهريًا جليلًا وإمامًا لمسجد القرية، أطلق على ولده اسم إبراهيم الدسوقى تيمنا بالشيخ إبراهيم الدسوقى، وقد تتلمذ وقرأ على يد الشيخ يوسف العديد من أبناء القرية، لعل من أبرزهم نقيب القراء الأسبق الشيخ أبو العينين شعيشع.

تخرج إبراهيم الدسوقى يوسف شتا فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، قسم اللغات الشرقية، فرع لغات الأمم الإسلامية، وقد نال الليسانس بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، ثم نال الماجستير (أثر الصراع المذهبى بين الشاه إسماعيل والسلطان سليم العثمانى) عام ١٩٦٧، ثم نال درجة الدكتوراة عام ١٩٧٢، وهو أحد أبرز علماء اللغات الذين لم يكتفوا بنيل أعلى المراتب العلمية الأكاديمية.

وإنما امتد علمه ليشمل التأليف والترجمة والمجهودات البحثية فى التوثيق والفهرسة والتأسيس العلمى المنهجى، ليمهد الطريق أمام الباحثين والاختصاصيين، حتى إنه لم يكتف فقط بترجمة أهم ذخائر الأدب الفارسى كالمثنوى ومقتطفات من ديوان شمس لجلال الدين الرومى، بل يعد منجزه المعجم الفارسى الكبير أو (فرهنك بزرك فارسى) علامة فارقة مضيئة فى تاريخ المجهود البحثى، ومن مؤلفاته: «التصوف عند الفرس»، و«الشعر الفارسى الحديث.. دراسات ومختارات»، ورواية «الفيروز والدم» و«الثورة الإيرانية» (الجذور- الأيديولوجية)، و«نصوص فارسية فى التاريخ الإسلامى» و«الأدب الفارسى» و«اللغة الفارسية للمبتدئين»، فضلا عن مرجع شديد الأهمية، ونقصد به الحركة الإسلامية فى تركيا: ١٩٢٠- ١٩٨٠م. ومما عرف عن د. شتا أنه كان متبحرا فى اللغة التركية أيضا.

ومما اخترناه للعرض فى إيجاز من ترجمات الأستاذ الدكتور إبراهيم الدسوقى شتا: المثنوى، فضلًا عن مختارات من ديوان شمس.

فأما عن الكتاب الأول: فهو مُؤَلَّفْ جلال الدين البلخى، الأكثر شهرة والموسوم بـ«المثنوى المعنوى»،

والمقصود بالمثنوى، أى النظم الشعرى المزدوج، إذ يتّخذُ شطرا البيت الواحد قافية خاصة، أى يتكرر حرف الروى فى كل شطرة، ويكون لكل بيت قافيته الداخلية، وبذلك تتحرر القصيدة من القافية الموحدة.

ومما ذكره د. شتا عند تقديمه للمثنوى: إن الإمام جلال الدين البلخى أضاف أيضا كلمة معنوى إلى مؤلفه، وذلك بغية تنبيه القارئ وحثه على البحث عن المعنى، فكثيرا ما يذكر بين طيات المثنوى، أن المعنى هو البَر أو القمح، وأن الحكايات ما هى إلا مجرد قش يحتوى على هذا القمح، وقد تمت الترجمة للأجزاء الستة عن النسخة التى حققها الدكتور محمد استعلامى، والتى نشرت بطهران، كما روجعت على الطبعة المصورة عن مخطوطة قونيه- متحف مولانا- طهران ١٣٧١ ه. ش. ١٩٨٢، كذلك فإنها روجعت على كافة النسخ المطبوعة للمثنوى، وبخاصة طبعة نيكلسون، وطبعة سيد محمد تقى جعفرى.

وتتميز هذه الترجمة بأنها ترجمة كاملة للأجزاء الستة، حيث إن الترجمة السابقة كانت للأستاذ الدكتور محمد عبد السلام كفافى، واشتملت على جزأين فقط، ولم يسعه القدر أن يكمل ما شرع فيه، فضلا عن تعرض نص نيكلسون للإضافة والتعديل عقب اكتشاف نسخة قونيه، والتى كتبت بعد وفاة مولانا جلال الدين الرومى بخمس سنوات فقط.

وعن الإمام جلال الدين الرومى، فهو محمد جلال الدين محمد بن محمد البلخى، ثم القونوى، المعروف بالرومى، ولد عام ٦٠٤ هجريًا ١٢٠٧ ميلاديًا، بيد أنه يشير فى كتابه «فيه ما فيه» إلى أنه شهد بعينيه حصار خوارزم شاه لسمرقند وفتحه إياها عام ٦٠٤ هجريا (ينظر مقدمة المثنوى سيرة حياة ص ٨)، والثابت أن الإمام ولد فى بلخ أم البلاد، وتوفى عام ١٢٧٣ ميلاديا.

ويذكر أنه لم يكن معروفا بلقب (مولانا) إبان حياته، بل تخلص بلقب (خاموش) أى الساكت، ويرجح أنه اشتهر بلقب مولانا عقب وفاته.. (للمزيد جلال الدين الرومى بين الصوفية وعلماء الكلام.. عناية الله إبلاغ الأفغانى المصرية اللبنانية ط.أ ٢٠١٥).

وبما أن سيرة الإمام جلال الدين وما روى عن مقابلته الأولى وشمس هى سيرة معلومة معروفة لدى كثيرين، فإننا نعود إلى المثنوى، والذى يتضمن العديد من المرويات المحملة بالدروس والعبر، عن طريق ذكر الحكاية والحكمة المستفادة من ورودها، وفى بعضها لجأ الرومى لذكر قصص عن الأنبياء والملوك بل والحيوانات وتجده فى ذلك يعيد إلى الأذهان حكايات الكتاب الأشهر للشيخ فريد الدين العطار (منطق الطير)، كما يذكر القارئ بقصة ذلك اللقاء فيما بينهما.

ومن المثنوى نقرأ:

بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد، وفيه يقول:

– كانت جماعة من الحيوان فى واد نضير، فى صراع دائم مع الأسد.

ومن كثرة ما كان الأسد يخطف منها من مكمنه، كان المرعى قد صار نكدا عليها كلها.

– فاحتالوا جميعا، وجاءوا إلى الأسد، وقالوا له: سنجرى عليك راتبا بما يشبعك.

– فلا تسع من بعد الآن فى إثر صيد، حتى لا تتمر فى حلوقنا هذه الأعشاب.

وفى جواب الأسد على الحيوانات وحديثه عن فائدة الجهد وترجيحه الاكتساب عن طريق التوكل والتعليم، نخلص إلى الفائدة من الحكاية.

بيد أن المثنوى لا يقتصر على حكايات الحيوانات فقط، بل إن القارئ لهذا السفر العظيم سيكتشف بهاء العطايا التى يمنحها الرومى له بين سطوره، فهنا نجد نصيحة أحد الرجال لزوجه قائلًا: لا تنظرى باحتقار إلى الفقراء وانظرى إلى فعل الحق بظن الكمال، ولا تعذلى الفقر والفقراء بظنك وتخيلك أنك فقيرة.

وفى موضع آخر نجده عنونه بعتاب الحق تعالى لنبيه موسى من أجل الراعى..

وفيه نقرأ من بديع النظم:

(ونحن ناظرون إلى القلوب إن كانت خاشعة، هذا وإن كان اللفظ يمضى غير مستقيم)

– (ذلك أن القلب هو الجوهر، والقول عرض، ومن ثم فإن العرض طفيلى، والجوهر هو الغرض)

(فلتضرم نارا من العشق فى الروح، واحرق الفِكر والعبارة برمتها)

(ويا موسى، إن هناك فرقا بين أولئك الذين يعرفون الأدب، وبين أولئك الذين احترقت أرواحهم وأنفسهم).

وأما عن الكتاب الثانى: فهو مختارات من ديوان شمس، وقد صدر عن المركز القومى للترجمة فى عدة طبعات تجاوزت الأربع، وديوان شمس يحتوى فى نسخته الأصلية على ما يزيد عن ستين ألف بيت.. واختار مولانا أن يكون ديوانه موسومًا باسم مرشده «شمس الدين تبريزى» ويسمى هذا الديوان أيضا بديوان العشق، وديوان تبريزى والديوان الكبير، ويتألف من الغزل والرباعى والقصيدة، فيتناول العشق بكل أحواله وصروفه ومراتبه من وجد وكلف، كما تتميز أشعار الديوان بالموسيقى والجرس المحبب إلى الأذن، وتحتوى أبياتها على معان شفيفة راقية فى نظمها.

ويقال إن الرومى بينما هو ينظم عمله الأكبر لمريديه، وعند الاسترسال كان يقف فجأة أمام نقاط لا ينبغى البوح بها، إذ إنه فى ديوانه هذا ينظم لنفسه وللعشاق وللمعشوق الأزلى الأبدى جل شأنه، كما ينظم جميل معانيه لمرشده الآخذ بيده شمس الدين تبريزى، هذا الدرويش الذى كان يعتقد أنه أمى يجهل القراءة والكتابة، حتى عُثر على كتاب له يسمى «المقالات» مكتوب بلغة مكثفة بليغة حافلة بالتواجد، فبدت وكأنها من قبيل الشعر المنثور، ومن الجدير بالذكر حرص الدكتور إبراهيم الدسوقى شتا على بذل العناية والدقة الشديدة عند ترجمته لهذه المختارات وضمها فى جزأين، قدرت بحوالى ثلثى الديوان، مستخدما الأسلوب السلس، وحرص على الابتعاد عن المهجور من الألفاظ التى قد تعوق ذائقة القراء مما يمكن القارئ غير الاختصاصى من المتعة عند مطالعة أبيات هذا الديوان واعتبارها مقتطفات من معزوفات الروح. ومن اقتباسات ديوان شمس نقرأ:

– بالأمس، وضع حبيبى على رأسى تاجًا من الذهب، ومهما توجه لى من صفعات لن يسقط من فوق رأسى.

– وإن مليك الأبد صانع القلانس، يحمل عن مفرقه قلنسوة الليل، ويضعها على مفرقى، فلا جرم، إننى شديد الثبات

– وعندما تجد اللب- يا بنى- ترفع بصرك عن القشور، لقد أتيت إلى محلة عيسى، فلا تصح ثانية.

– واعلم عظمة العشاق من عظمة ما يعشقون، ذلك أن كبرياء العشق ينبع من الله أكبر.

– ويا متأوها من الآلام، لا تتأوه، وقل: الله، ولا تتحدث عن البئر وتحدث عن الجاه، يا يوسف، يا مربى الروح.

  • عن المصري اليوم

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *