فصلٌ من رائحةِ المشهدِ و صورةِ الإخلاصِ


زُلَيْخَة أبوريشة *


من ألبسَك الدّيباجَ
و ألقى من أجلِ عيونِ الحبِّ على غُرَّتِكَ
البهجةَ و التّاجْ ؟
من سربلَكَ ؟
و لفَّ على كَتِفيْكَ ؟
و ملَّح ضُحْكةَ ثغرِكَ
و أراقَ النَّهرَ على رئتيكَ
لكي تحيا عشبةُ معناكَ ؟؟
و من أوقدَ نجماً في مفرقِكَ
و لفّ أغانيكَ بُحرِّ حريرِ نساءٍ منذوراتٍ
كي يُمرِعْنَ الخَشِنَ الصَّدِئَ ، و يوقظْنَ المحزونَ
ليخرجَ من بيتِ الحزنِ إلى ملأِ التفّاحِ .. و يأخذْنَ
المخضوضَ بحُضنِ اللُّطفِ ليشربَ من طاسِ الرَّعبةِ ..
أمّا كَيْ ينبُتَ شجرُ الطُّوفانِ بصحراِء المحرومين الغرثَى ،
فيُغدِقْنَ …. و لا يتعبْنَ
و مَنْ ، مع ذلك كي تعبرَ جسرَ المحنةِ نحو الهدنةِ –
نجّاكَ ….. و ما من ناجْ ؟؟
من عَلَّى سُلّمَكَ لكي تلمسَ قاعَ سماءِ الوَلَهِ الأولى
فالسَّابعةِ ؟
و أملى سيرتَكَ و كانت تعتعَها الشَّطحُ –
لكي تُسطَرَ في طِرِسِ الملتاثين كمثلِ المجنونِ بليلى
أو مثلِ المجنونِ بإلسا ، و وراءَ بحسب كلامِكَ –
خَطوِ العشتارات حفيداتِ أميراتِ القول ، المنسوباتِ
إلى المتنِ الأوّلِ في سِفر العشقِ ، المحجوباتِ عن الظُّلُماتِ
بفعلِ الضَّوءِ المتدرّجِ في سُلَّم موسيقى الألوانِ ، إلى الصّولِ
الأعلى ؟؟
من دوّنَ ؟
بل …. من كانَ محا ؟
من أنجزَكَ ؟ و ما كنتَ لتُنجَزَ لولا أن داهمْتَ الصُّبحَ
بكاسِ غَبوقٍ مازالت تتلعُ و تسيلُ على ما سوّاكَ
– و أخشى – الخَزّْ ؟
في أيِّ مساراتِ العزِّ، إذن ، كان أتاكَ
العَجْزْ ؟؟
هي دنيا عابرةٌ من شَرْقِ الجهلِ ، إلى غربِ المعلومِ ،
فدونَ العِظةِ ….
فلا تهتزّْ!
من قَرَّبَ لونَك ما بين نبيذِ اللَّطْرونِ(1) و قهوةِ صنعاءَ
لتشربَك النِّسوةُ في مقتبلِ الفتنةِ و البركانِ ؟؟
و من خلاّكَ من الغربَةِ في منآكَ ؟
و شَذَّبَ لَكْنتكَ لكي لا تُعرَفَ في الحيِّ فتُفضَحَ – ؟
من آواك لتَكتُبَ فصلَ الصَّلبِ على جسدِ امرأةٍ يتقافزُ فيهِ
السَّمكُ على ما بين السَّطرِ ، وفوق النُّقطةِ و الضُّحكةِ
و الإيماءَةِ و الخُيلاءِ و نونِ النَّحرِ ؟؟
و من نجّاكَ من النّطعِ الدَّامي للأرزاقِ
و ما من ناجْ ؟
من هفهفَكَ ؟
و دلَّكَ صورتَك لتصبحَ شغفاً يوميّاً للفودكا؟
من هندسَكَ ؟
و هندمَ سُمعتَكَ فتغدوَ بين الصُّبحِ و بينَ ضُحاهُ
فتىً ياقوتاً يعدو خلفَ فتاةِ الماسْ ؟
من علَّق في نخلتكَ الأعراسْ ؟
من غرَّدَك و عربدَكَ ؟ فأينَعك لتُقطَفَ
حينَ وقفتَ ببابِ الرّيحِ ؟ و ألزمَكَ الذّكرَ لتَذكُرَ ، و النّورَ
الجوّانيَّ لكي لا تخبطَ في ليلٍ داجْ ؟؟

من داراكَ من الهتْكِ بدِرعٍ من زَرَدِ الشِّعرِ
– فلولاها كنتَ من المُجّانِ المشعوفين الحمقَى؟
من أظهرَكَ ؟ و كانت لغةُ السّرِّ لديكَ :
غنوصَى(2)
فتغوصَ إلى عمقِ الجرحِ لتزرعَ فُلفُلكَ؟
و من دملَجكَ ؟ و مسَّكَ(3) سُرَّتَكَ ؟
و من ألقى المخملَ تحتَ هُبوطِكَ من مئذنةِ الآهِ ، مع الفلِّ ،
لكي تتناثَرَ أعضاؤُكَ فوق مِلاءاتِ الحبِّ الطّيِّبِ
و المضيافِ ؟
و مَنْ قرّرَ أن لا تحفَى أو تعرى
نظراً لاستبسالِكَ أصلاً أو بالأحرى فيما يبدو –
في الخِرقة و الوجدِ ؟
و مَنْ – مِنْ ثمَّةَ ضفَر جديلتَكَ ؟ و شنشلَ فيها أدغالاً
تشهقُ من فرطِ النَّشوةِ ، و مجرّاتٍ تتناوبُ كي تحرسَ
وجهَك من كَدَرِ العيشِ ؟؟
و من شذّب فكرتَك الوحشيّةَ حتى تغدوَ كالفضّةِ في
قوسِ العاجْ ؟
من جادلَكَ فجندلَكَ ؟
و قضَّ مضاجعَ أجدادِكَ
إذ لما ماتوا انتبهوا أنَّ ‘ الوقتَ شرودٌ
فلتغنمْ فرصَ الدَّهرِ ‘(4) ؟؟
و من رشّحكَ لخوضِ سباقِ الإخلاصِ
فنلتَ شهادةَ سَبْقٍ بخُلُوٍّ من أعراضِ الإخلاصِ ؟
و أنت غَريرٌ بعدُ
و أغمضْتَ العينينِ كقطٍّ مولودٍ للتوِّ
و بالغتَ قليلاً في إخفاءِ المقصودِ
و بالغْتَ إلى حدٍّ ما في تمويهِ خواطرِكَ لكي لا تظهرَ في شاشةِ
عينيكَ ؟
و ساومْتَ لكي تتصرَّفَ وحدَك باليَشَمِ المتلكِّىءِ
في صفةِ العسلِ و أقوالِ الأحراجْ ؟
مَنْ مِنْ ناحيةٍ أُخرى
سيّركَ فسِرْتَ
و نادمَكَ … فلم تندمْ ؟
مَنْ علّمكَ حروفَ الأُنسِ و أسماءَ الملكوتِ ؟

و درّبَكَ لكي تقرأَ في كَتلوجِ العهدِ و حفظِ العهدِ ؟
و حذّرَكَ بأن لا تخذِلَ ما تعلمْ ؟؟
من ناداكَ إلى النَّبعِ الصَّافي فاخترتَ الشُّربَ من
المزرابِ ؟
و أغراكَ بخوضِ غمارِ النّهوندِ الصَّاعِد حتى خصرِ المرمرِ
و النَّارنجِ ؟
و فسَّرَ ما رقَّق من عُريك في سقسقةِ الفجرِ ،
و نشرِ غسيلِ الحُبِّ على شُرُفاتِ الياليلِ ؟

و من نجّاكَ من الموتِ على صدر الأمازونيّاتِ …..
و ما من ناجْ ؟؟
من جرّسَك سوى نفسِكَ
إذ قفزَتْ قطعانُ ذئابٍ تعوي في رأسِكَ
لما أبصرتَ وقوفَكَ في قاعِ اللَّبْسِ المتسوِّلِ برهاناً
أعمى ؟
أو في طيِّ الموجِ المتدفّقِ من قلبٍ قد شكَّ
فهاجْ ؟؟
من جعلَ مثولَكَ في مرتبةِ الكِبْرِ لتستجديَ كنزاً مخفياً
تحتَ سريرِ النُّعمَى ؟؟
أو فوقَ صليلِ المجدِ الفوريِّ ؟
و من طهَّمَ من أجلِكَ خيلَ المعراجْ ؟
من فاتحَ في ليلِ الحُبِّ اللغةَ ليصعدَ من طبقاتٍ فيها خفيَتْ
تشبيهٌ مخصوصٌ
و كلامٌ جَهْرٌ مهموسٌ مغموسٌ برُضابِ العشقِ
و نهنهةِ اللَّوعةِ و الإشراقِ كما في سيرة أحوال الولّادةِ مع أحوالِ
العدويّة و الحلاجْ ؟؟
من أثّثَ غرفتَك بزهرِ الطُّوبىَ و المرحَى ، حتى تصبحَ ملآنَ
الجعبةِ لا تشكو ، من فرط استرضاءِ حُلَيْماتِ الذَّوقِ
لديكَ ، فتخرجَ أنعمَ ، أسرعَ في خوضِ غبارِ الطَّلعِ ،
و أمهرَ في دوزنةِ كؤوسِ الطَّلِّ على إفريزِ ختامٍ رومانسيٍّ للقصّةِ ؟؟

أتُرى أنَّا أسرفْنا كي يتحدّدَ مفهومُ التَّقتيرِ لديكَ ؟
و كي تغرِفَ من مرآةِ النَّفسِ مزايا النّكراتِ .. تُعلِّقَ فوقَ

جدارِكَ حُلُماً آنيّاً ، أو فوقَ البُرجِ الخُلَّبِ – في الأغلبِ
صينيِّ الصُّنعِ ( لتحيَ الصينُ) ! لكي تعلنَ حقَّكَ
في الصَّيْدِ الأمنِ و النّزَواتِ ، و حقَّكَ في سَوْقِ الغيمِ إلى
مرآبِ الحُبِّ العَرَضيِّ ، و حقَّكَ – كي تتسلَّى – في تحريرِ الشَّجرِ
و في صَفْدِ الأمواجْ ؟؟
أترى حقاً أنَّا أطفأنا الشَّمسَ لنُظهِرَ حُسنَكَ في ضوءِ
الضّدِّ ؟ و كي نشعلَ قلبَك مثلَ سراجٍ يتولّى تقديمَ
الحُجّةِ ، فالتهمت نارٌ أخرى المشكاةَ ، و سِرَّ المرآةِ ،
و كَشْفَ حِسابِ الماراتون الفلكيِّ ، و دِنَّ الحُبِّ ، و قاموسَ
ضلالاتِ العُشَّاقِ …. و دارَ السَّرّاجْ ؟؟
فكيف نجوتَ . . . . . و ما من ناجْ ؟؟
عجباً !!


‘ شاعرة من الأردن .
zuleikha_aburisha@yahoo.com
‘ من كتابٍ شعريٍّ جديد تحت الطبع بعنوان ‘كتاب الرائحة’ سيصدر عن وزارة الثقافة الأردنية تحت ‘مشروع التفرغ الإبداعي’.

(1) دير قرب القدس .
(2) اقتراح لغويٌّ شخصيٌّ من الغنوصية Gnose بمعنى هيّا إلى الغنوصيّة .
(3) من المِسكِ .
(4) مطلع أحد أناشيد الطريقة اليشِرطيَّة الشاذليَّة .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *