هوامش على أفراح صغيرة خارج الحدود

(ثقافات)

هوامش  على  أفراح صغيرة  خارج  الحدود[1]

الهامش (2) أو  الاحتراق الكامل

عبد القادر بوطالب

         في كل صباح؛ وهذا الصباح، حين أستيقظ ؛ أشعر أنني ملكة، قد توجت في الحال وإلى الأبد، وأنني مكتفية؛ لا حاجة لي بالأخرين، لاشيء ينقصني، أشم عطرك ورائحتك في كل مكان، أتخيلك  تدور في أرجاء غرفتي، تبتعد حينا، وتقترب أحيانا، وتختفي أحيانا أخرى،  هي لعبة الغميضة التي أثقنتها، تثقنها في كل الأشياء. في الحب وفي السفر، وحين تكتب، وتترك الفراغات بين الكلمات، وحين تقول كل شيء ولا شيء في الوقت ذاته.

           تجعلني أبتسم وحدي، حين أطفأ النور تتراءى لي باسما، وجهك الحليق والطليق يرسل  خيوطا رفيعة تضيء غرفتي، تطوف بكل الزوايا، تتجمع  ثم تنتشر دوائر متناسقة؛ تحفني من كل الجوانب،وتعطيني  ذلك الإحساس؛  أنك تحرسني حين أنام.

             أخبرك بسر أسراري أنني أحب أن أفقد عقلي، يحصل لي هذا حين نلتقي، ونصير جسدا واحدا. أصبحت قادرة أن أشتم رائحتك في كل مكان، أتخيلها تدور في كل الارجاء، تبعتد وتقترب؛ ثم تتجمع وتسقط بين ذراعي، واستنشقها دفعة واحدة، وتعطني الإحساس أنني أعانقك وأن رائحتك تنبعث من جديد؛  وبكامل الصفاء والنقاء؛ وكأنك قريب من هنا، وكأنك في مكان ما؛ في زواية ما من غرفتي، واقف تراقبني.

 أخبرتك البارحة، أنني لن أستحم، لم أفعل ذلك؛ أردت الاحتفاظ  برائحتك وعطرك، رغم أنني أشتمهما في كل شيء، لم أفعل. فكرة الرحيل تسلبني عقلي، قد لا تصدق، لكن  هذه هي الحقيقة؛ ما زلت أحمل عطر عناقنا الأخير، أو هكذا أشعر، أحس بذلك. وأدرك أنك لازلت تحبني، و أنك تعيد التفكير في حياتك قبل أن نلتقي مرة ثانية. كنت رافضة اللقاء، مازلت أذكر أنني لم أنام ليلتها، وعاودتني آلام المعدة من جديد، ونقلت إلى المستعجلات ليلا، لكن لا يهم، كل شيء يهون،  لا شيء أهم من  لقياك،لن تبعدني عنك كل الآلام، ولن تثنني عنك، وعن لقياك أقاويل الناس، ولن أنسى ذكراك يوما، وسيظل قلبي يترجى الله أن تكون  على الدوام بخير.

**************

          كتبت لك قبل هذا الصباح؛ وأرسلت لك بعضا مما أكتب، وفي كل مرة كنت أشعر أنني أتعرى، وأن المحو يتعقب كلماتي؛ وتفقد الحروف لونها؛ وتكتسي ذلك البياض الذي يزحف رويدا رويدا؛ حينها أشعر أنك قريب حيث أنا، وأن المسافة ليست سوى وهما صنعته؛ وصدقته، ونسيت كيف يمكنني أن أعيده  لسيرته الأولى.

         الآن، أما الآن؛ لا تلح علي، أنا حقا لا أريد أن أكتب، أعرف أن المحو غير ممكن، ففي ذلك البياض شيء مني؛ ومن  كينونتي، لا أريد أن أطلعك عليه، لا أريد أن تعلم أنه وفي كل ليلة؛ أراك في حلمي تتخلى عني، وتبعد في لمح البصر كأي سراب نتمسك به؛ ونخال  على غير حقيقته.

       لا أريد لكتاباتي أن تخبرك أنني فقدت عقلي، وأنني فتحت الباب لجرح خلته التئم؛ الحب يعرى تناقضاتي. يجعلني أشعر بالخواء، فالرغبة في  النسيان  تؤلمني؛ تماما كما الذكرى، حيث أنني أحترق شيئا فشيئا، لا أريد أن أحترق هكذا، بل أريد احتراقا بالكامل، حتى يكفر هذا القلب بك،  لا أريد أن تعلم أنني كاتبة فاشلة،  كما أنني  كذابة فاشلة.

         لا أريد أن تعلم؛ أن كل محاولة للابتعاد عنك هي اقتراب وإبحار في الذكرى، وأن المحو هو العذاب  الأكبر، لا تلح علي، لن ولن أرسل لك ما أكتب، لن أكتب.

أتعرف أنني أحترق. أريد احتراقا بالكامل.

[1] -النص الأصلي لهذه الهوامش (هامش2 )نشر تحت العنوان التالي:  افراح قصيرة خارج الحدود بموقع الأوان، أنظر الرابط التالي:   https://cutt.us/TaIJm

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *