*سيماء المزوغي
(ثقافات)
لا أعرف ما الذي شدّني إلى نظرة نيروز ابنة الشهيد شكري بلعيد؟
نظرة صعقتني وآلمتني ورجّتني واستهوتني في آن؟ من أين أتت بكل ذلك النضج وهي طفلة؟ من أين أتت بكل ذلك الإصرار والتحدي؟ نظرة من رصاص ودم، نظرة جيل جديد جرّب يتم الأب بسرعة الرصاص ولن يقبل بيتم الوطن ولو تحت وابل من الرصاص..
يا إلهي كيف لطفلة صغيرة أن تحمل رشاشا في نظرة عينيها؟ كيف لصغيرة أن تتحول عينيها إلى شراسة لبؤة وسط البراري؟
يا إلهي كيف استطاعت طفلة صغيرة أن تخيفني بتلك النظرة؟ نظرة لا أجد تعابير دقيقة لوصفها.
كيف لحمامة صغيرة أن تنقلب إلى جارح كاسر يقتلع فريسته بنظرة خاطفة أسرع من الرصاص؟
من أين نشأت تلك النظرة؟ من فوّهة البراكين؟ أم من نيازك الشياطين؟ نظرة يمكن أن تصهر الرصاص وتحوّله إلى معدن فولاذي لا يُثقب ولا يتآكل، معدن يسمى المقاومة والصمود.
انتظروا هذه اللبؤة حتى تفيق من غيبوبة الطفولة لتروا جيلا جديدا، فعندما تتوّهج روح الثورة من عيني طفلة صغيرة تأكدوا أن الثورة الحقيقية لم تولد بعد ولم تهب رياحها… فاللبؤة الصغيرة بالكاد أكملت حولين من الرضاعة،قصد رضاعة الصمود والمقاومة والتحرر.
ترقبوا جيلا ثوريّا لا يخشى الرصاص ولا الموت.
ترقبوا ثورة جيل لا يعرف معنى الربح والخسارة فشرفهم دائما وأبدا في المقاومة، فما بالك عندما يكون الرهان وطنا حرا طليقا كطيف النسيم؟
سرقوا روحا فنبتت أرواحا في عيون جيل جديد، أرواحا شرسة عنيدة صامدة لا تعرف معنى الخوف.
يا إلهي كيف لنيروز جارف أن يلوّن بؤبؤ عينيه بوجع تونس النديّ؟ فلقد رأيت في عينيها ساعد حشّاد وتمرّد الدغباجي وخبزة الفاضل ساسي وأوراق حاتم بالطاهر… ورأيت في عينيها نسور القمم وجوارح السماء وصقور الأعالي وطيور الأبابيل وحجارة السجيل… ورأيت في عينيها دموعأطفال تونس في الأحياء الياجورية وفي دواميس الفسفاط وفي أرياف الصقيع والحرمان… رأيت سيجارة العاطل وصوت السجين المنسي داخل براثن الفقر والتهميش والتكفير…
رأيت جنينا ناشئا يسمى الثورة قادمة من جديد…
لن أستشهد من هنا فصاعدا بنظرة الموناليزا فقد انتهى عصرها وهرم عشاقها… اليوم وغدا عيون نيروز… نيروز عيد تونس الآتي وإن مرّوا ولن يمرّوا.
__________
* كاتبة من تونس