الرجل الذي لم يعد يريد أن يعرف أي شيء

(ثقافات)

الرجل الذي لم يعد يريد أن يعرف أي شيء
قصة : بيتر بيكسل
ترجمة : د.محمد عبدالحليم غنيم

قال الرجل الذي لم يعد يريد أن يعرف أي شيء:
– من الآن فصاعدا، لا أريد أن أعرف أي شيء .
– لا أريد أن أعرف شيئًا.
هذا يقال بسهولة.
إنه يقال بسهولة.
وما أن قال ذلك حتى بدأ الهاتف بالرنين.
وبدلاً من أن ينزع السلك من الحائط، وهو ما كان ينبغي عليه فعله لأنه لم يعد يريد معرفة أي شيء، التقط الرجل السماعة وذكر اسمه.
قال الآخر:
–  مرحبا.
وقال الرجل أيضًا:
– مرحبًا.
قال الآخر:
– الطقس جميل اليوم.
ولم يقل الرجل: “لا أريد أن أعرف”، بل قال: “نعم، بالطبع، الطقس جميل جدًا اليوم.”
ثم قال الشخص الآخر شيئًا آخر.
وقال الرجل شيئا آخر. ثم أعاد وضع جهاز الاستقبال في مكانه وشعر بالغضب الشديد لأنه عرف الآن أن الطقس جميل.
والآن قام بنزع السلك من الجدار وصرخ: “لا أريد أن أعرف ذلك وسوف أنساه”.
هذا يقال بسهولة.
ومن السهل ان يقال.
لأن الشمس كانت تشرق من خلال النافذة وعندما تشرق الشمس من خلال النافذة تعرف أن الطقس جميل. أغلق الرجل الضلفتين ، لكن الشمس الآن كانت تشرق من خلال الشقوق.
أحضر الرجل الورق، وغطى زجاج النوافذ بالورق، وجلس في الظلام.
جلس هناك لفترة طويلة، وعندما دخلت زوجته ورأت النوافذ المغطاة بالورق أصيبت بالصدمة. سألت:
– ما كل هذا؟
قال الرجل:
– من المفترض أن يمنع دخول الشمس.
قالت المرأة:
– ولكن الآن أنت بلا ضوء .
قال الرجل:
– هذا عيب، لكن بهذه الطريقة الأمر أفضل، لأنه إذا لم تكن لدي الشمس، فلن يكون لدي أي ضوء، ولكن على الأقل لا أعرف أن الطقس جميل.
قالت المرأة:
– ما الذى يجعلك ضد الطقس الجميل؟ الطقس الجميل يجعلك سعيدًا.
قال الرجل:
– ليس لدي أي شيء ضد الطقس الجميل. ليس لدي أي شيء على الإطلاق ضد الطقس. لكنني لا أريد أن أعرف كيف يبدو الأمر.
قالت المرأة:
– إذن قم بتشغيل الضوء على الأقل .
وأرادت تشغيله، لكن الرجل انتزع المصباح من السقف وقال:
– لا أريد أن أعرف ذلك بعد الآن، لا أريد. ولا أريد أن أعرف أنه يمكنك تشغيل الضوء بعد الآن.
عند ذلك بكت زوجته. فقال الرجل:
– لا أريد أن أعرف أي شيء بعد الآن.
ولأن المرأة لم تفهم ذلك، توقفت عن البكاء وتركت زوجها في الظلام.وبقي هو هناك لفترة طويلة جدا.
وسأل الأشخاص الذين جاءوا للزيارة المرأة عن زوجها، فأوضحت لهم المرأة:
– هكذا هو الحال،  يجلس في الظلام ولا يريد أن يعرف أي شيء بعد الآن.
سأل الناس :
– ما الذي لم يعد يريد أن يعرفه؟
فقالت المرأة :
– إنه لا يريد أن يعرف أي شيء، لا شيء على الإطلاق بعد الآن.
لم يعد يريد أن يعرف ما يراه – أي كيف هو الطقس.
فهو لم يعد يريد أن يعرف ما يسمعه، أي ما يقوله الناس.
ولم يعد يريد أن يعرف ما يعرفه – أي كيفية تشغيل الضوء.
قالت المرأة:
– هكذا هو الأمر
قال الناس:
– آه، هذا صحيح .
وتوقفوا عن القدوم للزيارة.
وجلس الرجل في الظلمة. وأحضرت له زوجته الطعام. فسألته :
– ما الذي لا تتذكره؟
قال:
– ما زلت أعرف كل شيء.
وكان حزينًا جدًا لأنه لا يزال يعرف كل شيء.
ثم حاولت زوجته مواساته وقالت :
– لكنك لا تعرف كيف هو الطقس.
قال الرجل:
– لا أعرف كيف يكون الأمر، لكني مازلت أعرف كيف يمكن أن يكون. مازلت أتذكر الأيام الممطرة وأتذكر الأيام المشمسة.
قالت المرأة:
– سوف تنساها .
فقال الرجل:
– هذا من السهل أن يقال. من السهل قول ذلك.
وظل في الظلام، وكانت زوجته تأتيه بالطعام كل يوم، فنظر الرجل إلى الطبق وقال:
– أعرف أن هذه بطاطس، وأعرف أن هذه لحم، وأعرف أن هذه قرنبيط؛ وكل هذا لا فائدة منه، سأعرف كل شيء دائمًا. وأنا أعرف كل كلمة أقولها .
وفي المرة التالية سألته زوجته:
– وماذا تعرف أيضًا؟
قال:
– أعرف أكثر بكثير من ذي قبل، فأنا لا أعرف فقط كيف يكون الطقس الجيد وكيف يكون الطقس السيئ، بل أعرف الآن أيضًا كيف يكون الأمر عندما لا يكون هناك طقس. وأنا أعلم أنه عندما يكون الظلام دامسًا تمامًا، فإنه لا يزال غير مظلم بما فيه الكفاية.
– ولكن هناك أشياء لا تعرفها.
قالت زوجته ذلك وأراد المغادرة، وعندما أوقفها فقالت:
– أنت لا تعرف  ماذا يعني الطقس الجيد باللغة الصينية .
ثم ذهبت وأغلقت الباب خلفها.
ثم بدأ الرجل، الذي لم يعد يريد أن يعرف أي شيء بعد الآن، بالتفكير. لم يكن يعرف أي لغة صينية حقًا، ولم يكن من المفيد بالنسبة له أن يقول: “لا أريد أن أعرف ذلك بعد الآن،” لأنه لم يكن يعرف ذلك بعد.
صرخ الرجل وهو يفتح النافذة ويفتح المصاريع، وكانت السماء تمطر خارج النافذة ونظر إلى المطر:
– يجب أن أعرف أولاً ما لا أريد أن أعرفه.
ثم ذهب إلى المدينة لشراء كتب عن اللغة الصينية، وعاد وجلس خلف تلك الكتب لأسابيع، وهو يرسم الحروف الصينية على الورق.
وعندما يأتي الناس لزيارتها ويسألون المرأة عن زوجها، كانت تقول:
– هذا صحيح، إنه يتعلم اللغة الصينية الآن، وهذا هو الحال.
ومرة أخرى توقف الناس عن القدوم للزيارة. لكن تعلم اللغة الصينية يستغرق شهورًا وسنوات، وعندما فعل ذلك أخيرًا، قال:
– لكنني مازلت لا أعرف ما يكفي.
– يجب أن أعرف كل شيء. وعندها فقط أستطيع أن أقول إنني لم أعد أرغب في معرفة أي منها. يجب أن أعرف مذاق النبيذ: النبيذ السيئ والنبيذ الجيد. وعندما آكل البطاطس، يجب أن أعرف كيف أزرعها. يجب أن أعرف كيف يبدو القمر، لأنه على الرغم من أنني أستطيع رؤيته، فإن هذا لا يعني أنني أعرف كيف يبدو ، ويجب أن أعرف كيفية الوصول إلى هناك. ويجب أن أعرف أسماء الحيوانات، وكيف تبدو وماذا تفعل وأين تعيش.
واشترى لنفسه كتابًا عن الأرانب وكتابًا عن الدجاج وكتابًا عن حيوانات الغابة وكتابًا آخر عن الحشرات.
ثم اشترى لنفسه كتابًا عن وحيد القرن الهندي.
لقد كان منجذبًا جدًا لوحيد القرن الهندي.
ذهب إلى حديقة الحيوان فوجده  هناك واقف  في قفص كبير ولا تتحرك.
ورأى الرجل بوضوح أن وحيد القرن كان يحاول التفكير ويحاول معرفة شيء ما، ورأى حجم المتاعب التي يسببها وحيد القرن.
وكلما خطرت ببال وحيد القرن فكرة، كان سعيدًا للغاية وذهب مسرعًا. دار حول القفص، مرتين أو ثلاث مرات، ناسيًا الفكرة أثناء ذهابه، ثم توقف وظل ثابتًا لفترة طويلة – ساعة، ساعتين – حتى عادت الفكرة، وذهبت مرة أخرى.
ولأنه دائمًا ما كان ينطلق في وقت مبكر جدًا، لم يكن لديه أية أفكار على الإطلاق.
قال الرجل:
– أود أن أكون وحيد قرن هنديًا، لكن أعتقد أن الوقت قد فات على ذلك.
ثم عاد إلى منزله وفكر في وحيد القرن الذي كان يملكه.
ولم يتحدث الآن عن أي شيء آخر.
قال:
– إن وحيد القرن الخاص بي يفكر ببطء شديد ويهرب مبكرًا جدًا، وهذا ما ينبغي أن يكون .
ونسي ما كان يريد أن يعرفه حتى لا يريد أن يعرفه بعد الآن.
واستمرت حياته كما كانت من قبل تقريبًا.
الآن فقط كان يعرف اللغة الصينية.

المؤلف : بيتر بيكسل / Peter Bichsel ولد بيتر بيكسل في لوسيرن عام 1935، وهو ابن أحد الحرفيين. تدرب ليصبح مدرسًا وقام بالتدريس في مدرسة ابتدائية حتى عام 1968 (وللمرة الأخيرة في عام 1973). وفي عام 1964 ذاع صيته بين عشية وضحاها بمجموعته القصصية الأولى: ” وحقًا السيدة بلوم ترغب كثيرًا في مقابلة بائع الحليب” (And Really Frau Blum Would Very Much Like to Meet the Milkman  ) . فتم استقباله بحماس من قبل جماعة 47، وهي جمعية المؤلفين الألمان التي يرأسها هانز فيرنر ريختر، وفي عام 1965 حصل على جائزة جماعة 47. منذ عام 1985 صارعضوا في أكاديمية برلين للفنون وعضوا مناظرا في أكاديمية برلين للفنون. الأكاديمية الألمانية . اللغة والأدب في دارمشتات. يعيش بيكسل في مدينة بيلاخ في كانتون سولوتورن. وقد حصل على العديد من الجوائز لعمله، بما في ذلك جائزة شيلر الكبرى وجائزة غوتفريد كيلر. وقد كتب العديد من المجموعات القصصية والمقالات الصحفية.

شاهد أيضاً

فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“

(ثقافات) فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“ بقلم: إدريس الواغيش في البَدْءِ كان جمال الطبيعة وخلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *