“الشِعر وقضية فلسطين”

“الشِعر وقضية فلسطين” 

  بقلم/ مؤمن سمير . مصر

 

كانت ومازالت القضية الفلسطينية هي خنجر العرب الدائم النزيف ومرآتهم المتصدعة واختبارهم النفسي الدائب الارتعاش وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون هي مجال مقاومتهم الفنية والروحية والوجدانية لمحاصرة الشعور القاسي بالخزي والهروب الغريزي من فكرة الهزيمة المبرقشة بأضواء الغرور القانية من الآخر، من أجل هذا كان تناول القضية الفلسطينية في الشِعر العربي متساوقاً مع الأمل العظيم حيناً، وفي أحيان ثانية، نفس الأمل ولكن في وجهه المخادع المتعالي على الواقع والمعطيات.. وربما يكون من الطبيعي عند الكثيرين، اعتبار أن مبرر الأداء الشعري الحماسي صاحب الصوت العالي، هو صدق الشعور بثنائية الألم والأمل، الحية والمتشابكة دوماً، ولكنَّ الحديث عندما يضيق ويصل من “القضية” إلى “الشِعر” يختلف حتماً، لهذا امتلأ ديوان الشعر العربي بمطولات حماسية تفيد في جعل جذوة الحلم متقدة لكنها قد لا تخدم تطور الشعر بالضرورة ليتقدم “الوطني” ويتراجع “الشِعري” بفراسخ وأميال.. وربما لا يكون هناك فرق قيمي ما بين الإطار العمودي أو الآخر التفعيلي لكنَّ المقارنة عند التلقي الواعي والنقدي قد تنتصر للحلة التفعيلية جمالياً وتجريبياً بشكل واضح.. وقد يظن البعض أن قصيدة النثر بعيدة عن الواقع السياسي عموماً وعن القضية الفلسطينية على الخصوص ولكنَّ الحقيقة أنها في القلب من حيث معايشة التجليات والآثار النفسية والحضارية للقهر الوطني والسياسي ولكنها تصعد به كهم إنساني عميق وغائر فوق أنها لا تعول على ألعاب البلاغة ولا المجاز المباشر، وبالتالي ففلسفة القصيدة والوسائل والجمالية المتباينة بين أشكال الكتابة، العمودي والتفعيلي في جانب وقصيدة النثر في جانب مقابل، هم سبب هذا الانطباع بابتعاد قصيدة النثر عن هذا المضمار.. وإذا حدث وفتشت في ذاكرتك بغرض المقارنة بين التناول الشعري الحماسي لقضية العرب المركزية وبين الأداء الفني الجمالي الموفق الذي يضمن لنفسه البقاء المتوهج في دفتر الشعر العربي، ستجد أن التوجه الأول هو صاحب الرقعة المتسعة على الصفحات وبين الجماهير لكنك توقن دوماً أن الانتشار لم يكن أبداً هو شرط الجمال والقيمة وتوقن كذلك أنك ستظل تستمتع بكبار الشعراء الذين امتصوا الحدث وغمسوا ريشتهم لوجه الشِعر الباقي لا لحساب المظاهرات المتعددة الأشكال والوجوه.. وبالنسبة لي فقد تناولتُ القضية وغيرها من قضايا الهم السياسي في قصائد كثيرة ولكن بعد تجريدها من تفاصيلها الآنية ومخاطبة رمزيتها التي تتسع للإنسان المقهور في كل زمان ومكان ولأشكال القتل التي ترتدي كل يوم صيغةً جديدة ووجهاً آخر..

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *