فلسطين

خاص- ثقافات
*فرحات فرحات

1.
لَمْ تختفِ الآثارُ بعدُ إلى هناكْ
والعتمةُ البيضاءُ تسرقُ ظلّها
منْ نجمةٍ بلهاءَ في كبدِ السماءْ.
اليومُ يومي أسرقُ النسماتِ منْ حوضِ الزهورِ
أحطُّ في قعرِ الصلاةِ,
أسوقُ يومي ريثما
تأتي الرياحُ تعيدُني لشفاهِ شالٍ من حريرْ.
اليومَ يصحبُني مساءٌ شاردٌ,
من أينَ يجمعُ جمرَهُ ورمادَهُ,
منْ أينَ يجمعُ ثلجَهُ وصقيعَهُ
وأنا أعودُ ولا أعودُ كأنني قطبٌ شماليٌّ, جنوبيٌّ,
كأنّي واحةٌ أضحتْ سرابْ.
الآنَ تصحبُني الخطيئةُ كي أعودَ إلى هناكْ,
وهُناكَ لا أثرٌ لبصمةِ إصبعي,
الشالُ مأسورٌ يروّضُ حزنَهُ
وخطيئتي في هيكلِ الأحزانِ تسترقُ الضبابْ.
لم تختفِ الآثارُ بعدُ إلى هناكْ,
لا دورَ لي في العزفِ كيفَ تشاؤني
وقصيدتي لا شأنَ لي في “رتمِها”,
هي في انعتاقٍ من مدى ولعي وحرقةِ لهفتي,
وأنا أسيرُ جنونِها ومُجونِها,
أعدو وراءَ صبابتي وصدودِها,
أعدو فيبرحُني المكانُ ولا جناحَ يقودُني.
ليلٌ يعانقُ غُربَتي,
وطنٌ يغادرُ جبهَتي
وفراشةٌ سمراءُ تهمسُ للرذاذِ بأنْ يغيبْ.
لم تختفِ الآثارُ بعدُ إلى هناكْ,
وأنا هنا سيزيفُ, أحملُ صخرَتي
وأنوءُ من حِملي, على مضضٍ أنوءْ.

2.
كلُّ الذينَ أتَوا ما كانوا قبلَكَ,
ربّما جاءوا لتصبِحَ أنتَ مفتاحَ الظّلامِ
ونشرةَ الأخبارِ للأمسِ البعيدْ.
هُمْ هكذا لا يأبهونَ إلى القريبِ
كأنَهمْ حجرٌ تآكَلَ فوقَ سطحٍ من صفيحٍ
لمْ يزلْ يستَقطِبُ اللهبَ المسافِرَ للشمالْ.
كلُّ الّذينَ أتَوا,
عبروا جِبالَ الملحِ والصبرِ المُقيمِ على شواطِيءِ عُزلَةِ الصّبارِ والرملِ الحزينِ
وما أتَوا إلّا على سُحُبِ الرّياءِ,
يقارِعُ الموتورُ فيهمْ حدَّ سيفِ البحرِ كي يحظى بقِنديلِ البحارِ
فلا يرى غيرَ الصّدى والبحرُ في مدٍّ وجزرٍ,
تارةً يبكي على حوريّةٍ شرَدتْ ويضحَكُ تارَةً مثلَ الصّريعِ,
إليكَ ما عادتْ شموعُ البحرِ تأخُذُ ضوءَها منْ زَهرةِ النعناعِ,
ما عادَتْ نسائِمُ عشقِها الأبديِّ منْ حيفا,
كأنّكَ لم تكنْ يوماً عصيرَ نبيذِها الراسي على أهدابِ زنبقةٍ,
كأنّكَ لمْ تكنْ جسرَ العبورِ إلى المنفى
يساوِمُ كِسرةَ الخُبزِ الطريدةِ أنْ تعودَ
وأنتَ أنتَ تعانِقُ الأزهارَ والمقهى العتيقَ
ونادِلَ الذكرى وكأساً من شرابْ.

____________
*كاتب وشاعر من فلسطين.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *