قصيدتان لسيلڤيا بلاث” سندريلا” و ” مهجورةٌ”

(ثقافات)

قصيدتان لسيلڤيا بلاث” سندريلا” و ” مهجورةٌ”

‎ترجمة : د. سارة حامد حوَّاس

سندريلا

‎يميلُ الأميرُ  على الفتاةِ ذات الحِذَاء القُرمُزيِّ ،

‎عيناها الخضراوان مائِلَتَان

‎ شعرُها المُتَوهِجُ يطيرُ كمروحةٍ فِضيّةٍ،

‎تهدأ المقطوعةُ الموسيقيةُ

‎ تبدأُ الرقصاتُ على نغماتِ آلات  الكمانِ المائلةِ ،

‎يدورُ الجميعُ  يتراقصُ في قاعةِ القصر الزُجاجيةِ الطويلةِ ،

‎يندفعُ الضيوفُ نحو النورِ كالنبيذِ ؛

‎تُومضُ الشُّموعُ الورديةُ على الحائطِ الليلكيِّ؛

‎ تنعكسُ على مليونٍ من الأباريقِ المضئيةِ

‎العُشاقُ المندفعون ، جميعُهُم، في نشوةٍ عارمةٍ

‎مُستمتعُون كما لو أنَّ  إجازةً طويلةً قد بدأت ،

‎و عندما تدقُّ السَّاعةُ الثانية عشرة ليلًا ، تتوقفُ  الفتاةُ الغريبةُ فجأةً ؛

‎تتشبَّثُ بالأمير ؛ شاعرةً بالذَّنبِ ، شاحبةَ الوجهِ ،

‎و في وسطِ مزيجٍ من الأحاديث المُختلطة و المُوسيقى الصَّاخبة ؛

‎لا تسمعُ سوى دقاتِ السَّاعةِ الحارقة.

 

مهجُورةٌ

أفكاري مُشَوَّشَةٌ  ذاتُ مِزاجٍ سيءٍ

دُمُوعي كالخَلِّ؛

أو  كالأصفرِ الوامضِ المُرِّ لنجمةٍ لَاذِعةٍ ،

الليلةُ ، الرِّياحُ الحارقةُ ، و الحُبُّ

و الثرثرةُ،

عاجلةٌ و مُتأخِّرةٌ

أرتدي وجهَ السُّخريةِ المُتعرِّج للقَمَرِ الليمُونيِّ اللاذعِ

كالخُوخِ الصَّيفيِّ المُبَكِّر ،

السَّقيمِ  و الأخضرِ  و اللاذعِ

المُتدلَّى فوق عُودِهِ الذَّابِلِ  ؛

قلبي البائسُ ؛ غيرُ ناضج

د. سارة حواس

سيلڤيا بلاث ” الأنثى و الشاعرة”

ولدت سيلڤيا بلاث الشاعرة و الكاتبة الروائية في ولاية ماساتشوستش من الولايات المتحدة الأمريكية في ٢٧ من أكتوبر عام ١٩٣٢ و ماتت منتحرة في ١١من  فبراير عام ١٩٦٣.

انتحرت نتيجة إصابتها بالاكتئاب و المرجَّح أنه بسبب خيانة زوجها الشاعر البريطاني تيد هيوز لها و علاقاته النسائية المتعددة.

حصدت سيلڤيا العديد من الجوائز و كانت من أهمها جائزة البوليتزر الأمريكية  عن فئة الشعر ، و ذلك عن ديوانها ” القصائد المُتجمعة” في عام ١٩٨٢ ؛ و كان ذلك بعد موتها.

توفي والدها ” أتو بلاث” و هي في التاسعة من عمرها و قد أثر ذلك على حياتها و على توازنها النفسي بعد ذلك ، و في عام ٢٠٠٣ أنجزت سيرتها الذاتية فيلمًا و أُسندت البطولة لGwyneth Paltrow و قد بدأ الفيلم بجُملة مؤثرة كانت قد قالتها سيلڤيا -Gwyneth Paltrow-

”أحيانًا أحلم بحياتي كأنها شجرة و فرعٌ منها هو الرجل الذي سأتزوجه

و الأوراق  أطفالي؛ فرعٌ آخر هو مستقبلي ككاتبة

و كل ورقة  قصيدة ؛ فرعٌ آخر هو عمل جامعي لامع ، تبدأ الأوراق بالذبول

 و تتطاير ،و لكن بينما أنا جالسة أمامها أحاول أن أختار ، تبدأ الأوراق بالذبول

و تتطاير حتى أصبحت الشجرة جرداء تمامًا”.

هذه الجملة الافتتاحية للفيلم لخصت حياة سيلڤيا بتشبيهات شعرية عبقرية حيث شبهت حياتها بشجرة لها ثلاثة أفرع ، فرع منها هو الرجل التي ستتزوجه

 و الثاني  مستقبلها ككاتبة

 والثالث  عملها كأكاديمية

و شبهت أوراق الشجرة بأطفالها التي ستنجبهم في المستقبل، و كان لها نظرة سوادوية للحياة  دائمة الخوف من المستقبل ،فشبهت حياتها بأنها ستفقدها بطريقة غير عادية حيث تبدأ أوراق الشجرة في التطاير

و الذبول

و ستفقدها ورقة تلو الأخرى و أنها في يومٍ ما ستفقد السيطرة على إدارة حياتها كما كانت تحلم في صباها و ستفقدها تدريجيًّا حتى تصبح الشجرة جرداء أي تصبح وحيدة في هذا العالم الأسود ؛ عالمها الخاص الذي تُركت فيه وحيدةً بسبب هجر وخيانة زوجها لها مع آسيا  عشيقته التي حملت منه فيما بعد و كان ذلك السبب الرئيسي في انتحار سيلفيا بعد ما فقدت الأمل في استعادة زوجها و استقرار أسرتها .

و في مشهدٍ آخر في الفيلم  تحدثت  سيلڤيا -Gwyneth Paltrow- عن أبيها و عن افتقادها لإحساسها  بالأمان بعد فقده ، فقالت :

إنني كنت سعيدة حتى أتممت التاسعة من عمري؛  كنت سالمة ؛ ثم مات أبي ” .

هذا المشهد أوضح أيضا سببا رئيسًا من أسباب إصابتها بالاكتئاب

 و اضطراباتها النفسية ؛ ففقدها لأبيها أحدث تغييرًا كبيرًا في مسار حياتها كطفلة و استمر معها حتى شبابها.

و اللافت للنظر أيضا أنَّ إبداعات سيلڤيا الشعرية الحقيقية بدأت في بداية اكتشافها علاقات زوجها الشاعر تيد هيوز فكانت تختلي بنفسها في ساعات الليل المتأخرة و تكتب يومياتها

 وقصائدها التي كانت تعبر من خلالها عما يختلج في نفسها من بؤس و حزن عميقين بسبب وحدتها و خيانات زوجها.

بعد عمل سيلڤيا كأكاديمية لمدة سنة ، قررت بعدها أن تترك عملها في جامعة كامبريدچ البريطانية ، و ذلك من خلال منحة منحت لها من قبل مؤسسة فولبرايت

و تفرغت تماما لكتاباتها حيث أكدت أن عملها كأكاديمية عطَّل مسيرتها في الكتابة.

اهتم  الكتاب

 والمثقفون بحياة  سيلڤيا بلاث الشخصية المأساوية أكثر من حياتها العملية و كتاباتها الشعرية المتميزة ، فقد امتاز شعر سيلڤيا بأنه شعر اعترافي ‘’ confessional poetry’’ و كانت سيلڤيا بلاث من رائدات هذا النوع من الشعر حيث يمتاز بأنه يكشف فيه الشاعر عن معلومات شخصية و خاصة للغاية

 و أحيانًا صادمة عن نفسه و ظهر هذا النمط من الكتابة في أواخر الخمسينيات و أوائل السيتينيات من القرن الماضي و قد اشتهر العديد من الشعراء بهذا النوع من الشعر مثل : روبرت لويل و آن سيكستون

 ودابليو دي سنودجراس، و لكن سيلڤيا كانت رائدة هذا النوع من الشعر.

و المُلاحظ في قصائد سيلڤيا أنها كانت تهتم بفعل الكتابة نفسه  وباعترافاتها الحزينة البائسة أكثر من اهتمامها بالتقنية الشعرية  وامتازت قصائدها أيضا بأنها مليئة بالاستعارات والصور الجمالية العبقرية فكانت تميل إلى حد ما ، إلى الرمزية لتضفي نوعًا من الغموض على حياتها الشخصية و مع ذلك كانت اعترافاتها واضحة لمن أتقن قراءة أشعارها خصوصا أن خيانات زوجها كانت معروفة في الوسط الأدبي حينها .

في قصيدة ” سندريلا ” نجد أنها مليئة بالاستعارات

والتشبيهات ،

 وأيضا تفننت في وصف القاعة الزجاجية الطويلة  التي كانت ترقص فيها هي و الأمير حيث شبهت القاعة الزجاجية بزجاجة النبيذ الطويلة التي يندفع منها النبيذ أي الناس خارج الزجاجة أي القاعة و البهو الزجاجي منطلقين

 مستمتعين كأنها بداية إجازة طويلة ممتدة إلى أن جاءت الساعة الثانية عشر ة، الساعة الحمقاء ، التي أنهت سعادتها بالأمير و الرقص فجأة و التي بعدها عادت إلى واقعها الأليم

 و حياتها الرتيبة فالقصيدة كانت أشبه  بحلم الفتيات ” الفارس و الحصان الأبيض” شأنها شأن الفتيات المراهقات حيث إنها كتبت هذه القصيدة في بداية حياتها أثناء فترة مراهقتها .

أما عن قصيدة ” مهجورةُ” فكانت تتحدث فيها عن بداية خيانة زوجها لها  وشعورها بالوحدة القاتلة أثناء هجر زوجها لها و تركها وحيدة كثمرة الخوخ الخضراء السقيمة التي ذبلت على عودها و لم تُقطف و لم تنل الرعاية

 التي كانت تستحقها ووصفت أفكارها بأنها مشوشة و شاحبة ،برغم أنها قصيدة حزينة تعكس حالة سيلفيا النفسية البائسة حينها  فإنها مليئة بالصور الشعرية التي تستحق التأمل والتفكير .

ستظل سيلڤيا بلاث أيقونة شعرية أمريكية متميزة ، حولت ظروفها الشخصية المريبة قصائدها إلى ملحمة اعترافية اغترف منها الكثير من النقاد و المثقفين و الشعراء و نهلوا من أعمالها الكثير و أصبحت مدرسة في فن الشعر الاعترافي و رائدة في هذا النوع من الشعر ، و أصبحت علامة متميزة في تاريخ الشعر الأمريكي .

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *